شبهة الشرطين في مبادرة الأمة عند الدولة

الشيخ سليمان الصالح
فقد اطلعتُ على ردٍّ لأحد الكتاب (الفتاوى المتداولة) على بيان الأخ يوسف الأحمد -هداه الله- حول بيان الدولة الإسلامية المتعلق بمبادرة الأمة للتحكيم، وقد قرر الكاتب رده على بيان الأخ يوسف الأحمد ما يلي:

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد الله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:

فقد اطلعتُ على ردٍّ لأحد الكتاب (الفتاوى المتداولة) على بيان الأخ يوسف الأحمد -هداه الله- حول بيان الدولة الإسلامية المتعلق بمبادرة الأمة للتحكيم، وقد قرر الكاتب رده على بيان الأخ يوسف الأحمد ما يلي:

1- كفر من لم يقم بالشرطين اللذين ذكرتهما الدولة

2- أن المحكمة وقضاتها صنيعة استخباراتية     

3-كفر الجبهة الإسلامية وردتها       

4- كفر جبهة النصرة وردتها

وهذه بعض الملاحظات على تقريراته كتبتها بناء على طلب أحد الإخوة الكرام.

1-         قرر الكاتب -سدده الله وهداه- أن الشرطين اللذان وضعتهما الدولة الإسلامية إنما هما من باب اشتراط الإسلام في القاضي، ومن باب ارتباطهما بعصمة الدم للمتقاضي مما لم يأت بهما القاضي والمتقاضي فليسا بمسلمين، ونص الشرطين كما يلي:

-           الأول: تكفير حكام السعودية وقطر والأردن وتركيا والبراءة منهم.

-           الثاني البراءة من العلمانية والديمقراطية وأنها ردة عن دين الله، ويتبرأ من ذلك كل من يشارك في المبادرة، سواء من الكتائب أو من دعي إليها.

-           قال الكاتب: بعد نقله عن الفقهاء اشتراط إسلام القاضي "ومعلومٌ أن اشتراط البراءة من الطاغوت والكفر به هو أصل الإيمان .. إلى أن قال: فمن لم يكفر بالطاغوت فهو مؤمن به كافر بالله لا يجوز التحاكم إليه، وأما تبرؤ كل من شارك في المبادرة من الطاغوت المتمثل في الشرطين المذكورين واشتراطه، ففيه فقه مشترطه وسعة علمه .. وبيانه: أن من لم يكفر بالطاغوت فهو حلال الدم والمال".

فقرر-هداه الله- أن من لم يأت بالشرطين فليس بمسلم ولم يكفر الطاغوت.

والجواب على ذلك كما يلي:

 

 

1- أن من جاء بأصل الدين فتُشهد شهادة التوحيد بشروطها المتضمنة للإيمان بالله والكفر بالطاغوت ولم يظهر منه ما يناقض ذلك من الإيمان بالديمقراطية أو العلمانية ونحوها، فلا يجوز ربط الحكم بإسلامه بتصريحه بالبراءة من العلمانية والديمقراطية ونحوها؛ لأن إيمانه العام متضمن الكفر بهما.

2- أما من ثبت إيمانه بالديمقراطية والعلمانية مع قوله للشهادتين ومعرفته بحقيقة الديمقراطية والعلمانية؛ فإن ذلك ناقضٌ لكفره بالطاغوت، ولابد من توبته ولدخوله في الإسلام من البراءة منهما، ومن هنا يتبين أن القول بأن من لم يأت بهذا الشرط فلم يكفر بالطاغوت ليس على إطلاقه.

3- أن من آمن بالله وكفر بالطاغوت -بشهادته شهادةَ التوحيد بشروطها- ثم خفي عليه كفر الأنظمة المذكورة وردتها لسبب من الأسباب كعدم التبين لأحوالهم أو أحوال بعضهم أو ظنية وجود مانع لديها أو لدى بعضها من جهل أو تأويل أو إكراه أو خطأ، أو لكونه مرجئًا في هذه المسائل أو بعضها، فلا يجوز القول أنه لم يكفر بالطاغوت وليس إسلامه بصحيح حتى يحكم بكفرها وردتها، فإن الجهل والتأويل في كفر بعض الأفراد أو الطوائف وردتهم، إذا كانوا ممن ينتسبون إلى الإسلام ويتمسحون به، مع إقرار صاحبه بالمكفرات المجمع عليها المعلومة من الدين بالضرورة لا يُوجِبُ خروجَ صاحبه من الإسلام، وذلك لأنه لم يقع في العلة المكفرة وهي: التكذيب بأمر معلوم من الدين بالضرورة، والتي على أساسها قرر العلماء قاعدة (من لم يُكفر الكافر فهو كافر)، ولذلك لم يكفر السلف -رحمهم الله- عامة المرجئة، ولم يكفر ابن تيمية من ظَنَّ إسلام التتار،ولم يكفر ابن عبد الوهاب من توقف من طلابه في كفر أهل حريملاء ظَانًّا عدم قيام الحجة عليهم، مع كونه قد بين ذلك لهم مِرَارًا كما تدل عليه رسالته التي ابتدأها بالسلام وسماهم فيها إخوانًا ونصحهم بدوام اللجأ إلى الله طلبًا للهداية في هذه المسألة، وبسط الكلام حول هذه المسأله يطول. [وانظر تفصيل الشيخ ناصر الفهد -حفظه الله- فيمن لم يكفر الكافر المنتسب للإسلام].

4- أن من اعتقد كفر هذه الأنظمة، ولم يصرح بذلك مداهنة لهم فإنه لا يُكفر، بل هو آثم على كتمانه الحق وسكوته عنه بشرط أن لا يوافقهم على شيء من كفرهم، وقد نص على ذلك جمع من أهل العلم منهم الشيخ سليمان بن عبد الله في أحد أجوبته، وكذلك نقله حمد بن عتيق عن أئمة الدعوة عند كلامه عن إظهار الدين في رسالة الدفاع عن أهل السنة والإتباع، وكذلك الشيخ إسحاق والشيخ عبد اللطيف وغيرهم، فأما إن كان عدم التصريح بكفر بعض الأعيان لمصلحة شرعية أو استضعاف، فقد أجاز ذلك بعض أهل العلم كما في اعتذار الشيخ عبد الرحمن بن حسن عن ابن تيمية ووالده في عدم تصريحهم بتكفير بعض عباد القبور، وكما قال ابن عبد الوهاب: "لولا أن الناس ما عرفوا دين الرسل وأنهم يستنكرون الأمر الذي لم يألفوه لكان شأن آخر بل ولله الذي لا إله إلا هو، لو يعرفُ الناس الأمر على وجهه لأفتيت بحل دم ابن سحيم وأمثاله ووجوب قتلهم كما أجمع على ذلك أهل العلم كلهم لا أجد في نفسي حرجًا من ذلك"

وليس المراد هنا استيفاء التقرير لهذه المسألة، إنما المراد الإشارة إلى أن القول بعدم صحة إسلام من لم يأت بالشرط الأول الذي وضعته الدولة ولم يكفر بالطاغوت ليس بـمُسَلَّمٍ وقولٌ خاطئ لم يقل به أهل العلم بهذا الإطلاق، ولم تقل به الدولة الإسلامية التي حكمت بالإسلام لجماعات لم تستوف هذا الشرط كجماعة أحرار الشام وغيرها من الجهات وذلك قبل حصول الفتنة الأخيرة (وكأمارة طالبان الإسلامية والتي لم تصرح بتكفير تلك الجهات فيما أعلم) بل إن الكاتب نقض ذلك عندما قال عن جماعة أحرار الشام "قسم له شوكة ومنعة وقاتلت الدولة الإسلامية لمنازعة ومخاصمة في أمور دنيا مع وجود أصل الدين فيهم"، ومعلوم أن أصل الدين هو الإيمان بالله والكفر بالطاغوت فأثبت لهم الكفر بالطاغوت مع كونهم لم يأتوا بالشرط الأول المذكور ضمن شروط الموافقة على المبادرة.

قرر الكاتب -هداه الله– أن المحكمة التي دعيت إليها الدولة: "محكمة يتحكم بها بريموت الكنترول مثل الطيارة بدون طيار لتَفْتِكَ بالإسلام وأهله"، وقرر في حال قضاتها: "أن الذين ترتضيهم كل الأطراف هم الشرعيون، فأيّ الشرعيين تريد؟ أهو الذي آمن بالشرعية الدولية؟! أم الشرعية السماوية التي أنزلها الله على محمد ؟ فإن قلتَ: بل شرعة الله التي أنزلها على محمد، نقول لك لا يكون كذلك حتى يكفر بالطاغوت ويؤمن بالله وحده، وأنتم رفضتم!!، فعاد الدور بين المسائل"

والحقيقة إن الإنسان ليعجب من هذه الجرأة على التخوين لهذه المحكمة وقضاتها ووصفهم بالعمالة للطواغيت مع كونهم من أهل العلم والجهاد وممن عرفوا بصحة المنهج وسلامته، وقد بين الأخ المحيسني في بيانه موافقته وإقراره بصحة الشرطين اللذين ذكرتهما الدولة وموافقته على اشتراطها في القضاة دون المتحاكمين، فتبين بهذا أن المحيسني –صاحب المبادرة- وسائر القضاة مقرون بالشرطين موافقون على البراءة من الطواغيت والتصريح لهم بذلك هذا أولًا.

وثانيًا: أن الأخ المحيسني –وفقه الله- بيّن أن القضاة المرشحين هم من الفصائل المعروفة بصحة العقيدة وسلامة المنهج كالكتيبة الخضراء وصقور العز وشام الإسلام، بل ذكر من المرجحين المستقلين الشيخ العلوان، والشيخ الربيش، وهؤلاء لا يشك عاقل في انطباق الشرطين المذكورة عليهم، وقد ذكر المحيسني ذلك على رؤوس الأشهاد، ولم ينف ذلك أحد من المذكورين، فكيف يصح بعد ذلك اتهام المحكمة وقضاتها بالخيانة والعمالة وعدم الكفر بالطاغوت.

قرر الكاتب -وفقه الله- أن الجبهة الإسلامية صنيعة المخابرات السعودية والأردنية والقطرية والتركية، كما قرر بأن ميثاقها قد صيغ بعناية في دهاليز الاستخبارات ليرضي الأمم المتحدة، وقد بنى حكمه هذا على تحليلات واستنتاجات وحوادث لا ترقى إلى مستوى القرائن القوية الثابتة، فضلًا عن كونها بينات وأدلة ظاهرة تبنى عليها أحكام الكفر والإيمان، ومن المهم هنا التفريق بين الأعمال المتفرقة لبعض فصائل الجبهة قبل تكون الجبهة وبين الحال بعد تكونها وإعلان ميثاقها، وترؤس الفصيل الأسلم منهجًا منها وهو أحرار الشام للجانب السياسي، والذي على إثره تم رفض اللقاء مع السفير الأمريكي، فلا شك أن اجتماع تلك الفصائل المعروفة بعدم صفاء المنهج مع الفصيل الأقرب إلى التيار السلفي الجهادي وهو أحرار الشام سيؤثر عل منهجها وقراراتها وتوجهها، فإذا أضفنا لذلك قرائن أخرى معارضة للقرائن التي ذكرها الكاتب تساقطت القرائن وبقينا على الحكم بالظواهر، ومن القرائن التي تلغي كون الجبهة الإسلامية صنيعة استخباراتية تُقاتِلُ الدولةَ بأوامرِها مظاهرةً للكافرين ما يلي:

أ - تَكوُّنُ الفصائل قبل دخول الدولة إلى الشام وتبني بعضها كأحرار الشام للراية الشرعية الواضحة، وإثخانها في النظام النصيري، واشتراكها في الهيئة الشرعية مع جبهة النصرة المشتملة عل جهاز قضائي شرعي وجهاز دعوي وجهاز إغاثي وجهاز أمني.

ب - قبول تلك الجبهة بالمحاكم المشتركة بينها وبين الدولة الإسلامية وتحاكمها إليها من أول إشكال حصل بين الفريقين.

ج - قبول الجبهة الإسلامية لمبادرة الجولاني -وفقه الله- التي أُعلنت ثاني أيام المواجهات الأخيرة، والتي كانت قبل جنيف2، والتي عرض فيها الجولاني –حفظه الله- محكمة مشتركة بمرجع مستقل، ولو كانت تقاتل تنفيذًا لأجندات غربية وعربية؛ لما قبلت بتلك المحكمة التي تؤدي إلى إيقاف القتال في بدايته، وقبل ذلك يقال في قبولهم لمبادرة الأمة.

وفرق بين أن تكون القرائن التي ذكرها الكاتب موجبة لأخذ الحذر والحيطة ومناصحة من يحسن به الظن في الجبهة الإسلامية والسعي لتفويت الفرصة على من يريد إشعال الصراع مع الدولة، وبين أن يكون ذلك موجبًا للحكم بأن قتالها مع الدولة إنما هو أساسه تنفيذ لإملاءات الاستخبارات الغربية والعربية وأنه بذلك مظاهرة للكفار على المسلمين موجب للردة والخروج من الدين.

ومن القرائن المهمة تنسيقهم مع جبهة النصرة منذ البداية مع كونها تابعة لتنظيم القاعدة وعلى قائمة الإرهاب، وكذلك عدم اعترافهم بالائتلاف الوطني وما انبثق عنه، وهكذا أصبحت القرائن متعارضة فرجعنا إلى الحكم بالظاهر والله يتولى السرائر، ومن أعظم ما يدل على ذلك حديث أسامة –رضي الله عنه- قال: (بعثنا رسول الله إلى الحرقة من جهينة فصبحنا القوم فهزمناهم ولحقت أنا ورجل من الأنصار رجلًا منهم فلما غشيناه قال: لا إله إلا الله، فكف الأنصاري وطعنته برمحي حتى قتلته، قال: فلما قدمنا بلغ ذلك النبي، فقال لي: يا أسامة أقتلته بعدما قال لا إله إلا الله؟ قال: قلت: يا رسول الله إنما كان متعوذًا، قال: أقتلته بعد ما قال لا إله إلا الله؟ قال: فما زال يكررها عليَّ حتى تمنيت أني لم أكن أسلمت قبل ذلك اليوم)، وفي رواية لمسلم (أفلا شققت عن قلبه لتعلم أقالها أم لا)، ففي هذا الحديث بيان أن أسامة –رضي الله عنه- ظهرت له بعض القرائن على كون الرجل ليس بصادق في دعواه الإيمان، بدلالة قتاله في أول الأمر ثم هربه، وأنه لم ينطق إلا بعدما أدركه السيف، لكنَّ النبي ردَّهُ إلى الحكم بالظاهر وإيكال السرائر إلى الله –جل وعلا- وزجره على ذلك زجرًا شديدًا في بيان واضح أن العبرة في هذه الأحكام العظيمة وأمثالها بالظواهر، وأما القرائن فلا تستقل في إثبات أمثال هذه الأحكام والله تعالى أعلم.

وتجدد الإشارة هنا إلى أنَّ قبول الدعم من قبل بعض الجهات الكافرة، واستغلال تقاطع المصالح في دفع النظام النصيري وحزبه من روسيا وإيران، وكذلك السكوت عن الإشارة إلى بعض القضايا التي يمكن تأجيلها لا يوجب الإثم فضلًا عن أن يكون موجبًا للكفر، وإن كان الغالب أنّ ذلك يكون منزلقًا خطرًا لا يلبث صاحبه أن يقدم التنازل تلو التنازل، ومن هنا تأتي أهمية التحذير والحذر والمناصحة لمن سار في هذا الطريق، كما جاء في كلمة الشيخ أسامة -رحمه الله- التي وجهها لبعض الفصائل الجهادية في العراق محذرًا لها من هذا المنزلق الخطير، والتي نقلها الكاتب -وفقه الله- غير أن الشيخ لم يحكم على تلك الفصائل بالكفر والردة لأجل ما وقع من القتال والنزاع بينها وبين الدولة الإسلامية في العراق، وكذلك لم يحكم الشيخ أبو عمر البغدادي على جميع تلك الفصائل بالكفر والردة عن الدين بناء على ما حصل بين الدولة وبينها من القتال والنزاع.

وإن من أعظم الأدلة على وجوب بناء الحكم على الظواهر وإيكال السرائر إلى الله هدي النبي في التعامل مع المنافقين حتى كان يقبل ظواهرهم ويكل سرائرهم إلى الله مع وجود قرائن النفاق في صفحات الوجوه وفلتات الألسن، وإن من أخص صفات أهل السنة أنهم يقولون الحق ويرحمون الخلق ويجاهدون مع الأمراء أبرارًا كانوا أو فجارًا، ومن قول الحق الإنكار على الطوائف والجماعات الواقعة في بدع الإرجاء أو التساهل في الولاء والبراء كالجبهة الإسلامية وغيرها، ومن الرحمة بالخلق العدل معهم والتعاون معهم على الجهاد في سبيل الله وتحكيم شريعة الله وتفاصيل تعامل أهل السنة مع أهل البدع تختلف باختلاف الأحوال والظروف ومراتب البدع -والله أعلم-.

قرر الكاتب –هداه الله- ردة جبهة النصرة بمظاهرتها الكفار على المسلمين، واعتمد في هذا الحكم على عدد من الحوادث وهي كما يلي:

1-         ما حصل في الأتارب ودركوش من تعهد بعض قادة الجبهة بحماية ظهور الدولة، ومن ثم غدرهم بهم وكشف ظهورهم لجبهة ثوار سوريا كما في دركوش، ومرور دبابة لإحدى الفصائل أمام مقرهم في الأتارب وقصفها للدولة.

2-         ما ذكر أبو محمد الأمريكي من سماحهم لجبهة ثوار سوريا بالمرور من أحد حواجزهم إلى الحدود التركية للتزود بالسلاح.

3-         الوثائق التي وجدت بحوزة الجيش الحر والـPKK وثوار سوريا والتي تثبت التواطؤ والعمالة.

4-         القتال في دير الزور جنبًا إلى جنب مع صحوات الخيانة والعمالة، كما أشار إلى شهادة (الجمل) و(الشواشي).

وقد وقع الكاتب -هداه الله- في حكمه هذا في عدة أخطاء في تقرير الواقع ثم تكييفه وتنزيل الحكم الشرعي عليه ويظهر ذلك فيما يلي:

1- أنه بنى تقريره للواقع وحشده للحوادث على كلام وشهادات الخصوم سواء كان أولئك الخصوم من أفراد الدولة قديمًا أو ممن انضم لها حديثًا بعد انشقاقه عن النصرة فأدلى بشهادته بعد انضمامه لخصومها، والخصومة بين النصرة والدولة ليست خصومة أثبتها الكتاب والسنة والإجماع، بل الأصل فيهم أنهم إخوة الدين، وإنما وقعت الخصومة بينهم في مسائل تتعلق بالبيعة والولاية ومن ثم حصل النزاع في الأملاك والمقرات وآبار النفط وحصل في ذلك قتل ودماء، وهذا النزاع موجب للتهمة المانعة من قبول الشهادة، فاجتمع في هذه الشهادات علة الخصومة في القضية وعلة العداوة الدنيوية وقد جاء عن النبي كما عند أحمد وأبي داود بإسناد حسن "أنه ردَّ شهادة ذي الغمر على أخيه" والغمر: الحنة والشحناء، وقد نقل ابن المنذر الإجماع على عدم قبول شهادة الخصم على خصمه، وأي خصومة أشد من ادِّعاءِ كل فريق على خصمه بالغدر والقتل ونقض البيعة وغير ذلك من التهم، وقد أشار العدناني في خطابه المشتمل على المباهلة للشامي أن من الظلم للدولة الإسلامية قبول شهادة الثقات عليها إذا كانوا من خصومها، فكذلك الأمر هنا، فليست الخصومة دينية بحته، وقياسها على خصومة المسلم والنصراني التي أثبتها الكتاب والسنة والإجماع قياس مع الفارق، فإن قيل أنها من قبيل شهادة المسلم على المرتد قلنا: هذا استدلال بمورد النزاع ونحن لا نسلم بالردة، وإنما الخصومة والنزاع بين طائفتين من المؤمنين، ومن هنا فإن العبرة بالأدلة والبينات، لا بمجرد دعوى الخصوم، وقد جاء في الصحيحين أن النبي قال للأشعث بن قيس لما اختصم مع رجل في أرض: ((بينتك أو يمينه))[م138،خ2356].

2- أن الكاتب -وفقه الله- أغفل ردود المدعى عليه "جبهة النصرة" ودفاعه عن نفسه وطعنه في دعاوى الخصوم، وبيانه لسبب طبيعة القتال بينه وبين الدولة الإسلامية، وفي هذا من نقص الإنصاف ما لا يخفى، وأنا أذكر هنا نزرًا يسيرًا مما بلغني من أجوبة الجبهة عما نسب إليها:

•          طعنت الجبهة فيما نسبه أبو ذر الجزراوي إليها وبينت أن الرجل قد انشق عنها بسبب عقوبتها له بسحب السلاح والزجر بناء على أخطاء وقعت منها أثناء القتال مع النظام.

•          بَيَّنَتْ أن الوثائق المذكورة -إن صحت- فهي منسوبة إلى "لواء ثوار الرقة" وهذا اللواء قد انفصل عن الجبهة وأعلنت براءتها منه منذ زمن.

•          ما يتعلق بتعهد بعض قادة الجبهة للدولة بحماية ظهورها بعد استلام مقراتهم في دركوش، والأتارب ومن ثم كشف ظهورهم لجبهة ثوار سوريا أو غيرها من الفصائل وكذلك شهادة أبي محمد الأمريكي بالسماح لثوار سوريا أو غيرها بالمرور لأخذ السلاح من الحدود التركية، فأما الغدر وكشف الظهور فقد بينت جبهة النصرة من بداية المواجهات وقوفها على الحياد، وهذا يعني عدم تدخلها بمنع فصيل من المرور عبر حواجزها ومن أمام مقراتها، لأن منعها لأحد الفصائل يعد تدخلًا في القتال، ويعني كذلك عدم حمايتها لظهر أي فصيل، فكيف يعد التزامها بما أعلنت من عدم التدخل غدرًا أو كشفًا للظهور، بل إنَّ الجبهة قد أشارت بوقوع الغدر عليها حيث تدخلت في أكثر من موقع لفك الحصار عن مقرات الدولة مقابل استلامها للمقر ثم لا تلبث الدولة بعد انفكاك الحصار أن ترجع لأخذ المقر بالقوة، فتنسحب الجبهة تجنبًا للمواجهة.

•          بالنسبة للقتال في دير الزور:

1-         بينت الجبهة أن الدولة هي من بدء بالاستيلاء على حقل "كونيكو" وعند تواصلهم مع والي دير الزور أجابهم بأن هذه ليست سوى البداية، كما بينت أن قتالها من باب الدفع عن النفس والمال، ومن ما ورد في بيانهم ما يلي:

2-         القتال من باب دفع الصائل، وليس من قتال الفتنة ولولا اضطرارهم لنا ما قتلناهم، فقتال النصيرية أولى ولإن كفوا وعادوا كففنا

3-         نحن لا نتحالف ولا ننسق مع أذناب أمريكا من طغمة الائتلاف والأركان ومن لف لفهم، وليس كل من حكمت عليه الدولة بالكفر هو كافر عندنا كالجبهة الإسلامية بفصائلها

4-         تزامن القتال مع بعض المدفوعين غربيًا وعربيًا لا يعنينا وليس من المظاهرة، فنحن ندفع العدوان، والتزامنُ شيءٌ والتحالفُ شيءٌ آخر

ومما يؤكد عدم تنسيق جبهة النصرة مع طوائف الردة، ما ذكر سليم إدريس في مقابلة مع إحدى القنوات حول اعتقال النصرة لرئيس المجلس العسكري بدرعا ومجموعة من رفاقه حيث قال: "نحن لا نريد الانشغال بقتال غير النظام، وليس بيننا وبين النصرة علاقة أو تنسيق وهي قد بايعت القاعدة، بل أنها أعلنت تكفيرها لنا وللائتلاف الوطني" ا.ه بمعناه.

وأما شهادة الشواشي فلم أطلع عليها ولم يذكر الكاتب مضمونها، أما شهادة الجمل فهي متعلقة بدير الزور وقد مضى جواب النصرة عنها، ومما يلاحظ في كلام "الجمل" ما يلي:

1-         يظهر من كلامه شيء من التناقض، حيث ذكر أنه بصفته قائد لواء أحفاد الرسول هو من بدأ بقتال الدولة في الرقة، ثم ذكر أنه عندما استهدفته الدولة في مقر اللواء، تعجب من ذلك وذهب إلى أبي مارية وسأله عن سبب استهداف الدولة له، والسؤال هنا: ما الذي يدفع الأخ صدام الجمل إلى الاستغراب من استهداف الدولة له مع أنه هو الذي بدأهم بالقتال؟!! وفي ذلك تناقض لا يخفى.

2-         ذكر الأخ الجمل أن فصائل الجيش الحر في دير الزور [كلها أو بعضها] "الوهم مني" قد انضوت تحت الهيئة الشرعية، ثم ذكر أن الهيئة الشرعية "المنبثقة من جبهة النصرة في أغلبها ثم الجبهة الإسلامية وبعض الفصائل الإسلامية الأخرى" لا تحكم بما أنزل الله فأشار "الجمل" هنا إلى مسألتين:

الأولى: "متعلقة بالواقع" في مسألة ليس هو بمتهم فيها وهي: تحاكم جميع الفصائل الموجودة أو بعضها للهيئة الشرعية.

والثانية: "مسألة شرعية" وهي حكمه بأن الهيئة الشرعية تحكم بغير ما أنزل الله مع العلم بأن الرجل حديث عهد بإسلام، ولا يملك من العلم الشرعي ما يجعله أهلًا للحكم بموافقة الأحكام القضائية للهيئة الشرعية للشرع أو عدم موافقتها، ومن خلال هاتين الملاحظتين تبين اندفاع الأخ صدام -وفقه الله- في دفاعه عن الدولة الإسلامية وشن الغارة على غيرها -والله أعلم-.

تنبيهات :

عدم مشاركة الجبهة أي: "جبهة النصرة" في القتال الدائر بين الكتائب ووقوفها على الحياد وتركها اعتراض من يمر على حواجزها سواء كان من الدولة أو الفصائل فيه تفصيل:

1- أن يكون الفصيل الذي يمر على حواجزها ولم تدفعه عن الدولة مسلمًا وقتاله مع الدولة قتال فتنة، فهنا يكون ترك الجبهة للقتال من باب اعتزال الفتنة كما بينت هي ذلك، والواجب عليها السعي في الإصلاح، ومن ثم رد الظالم عن الظلم بحسب الإمكان، وقد سعت الجبهة في ذلك من خلال مبادرة الجولاني في اليوم الثاني من المواجهة.

2- أن يكون الفصيل الذي مر من حواجزها لقصف الدولة أو للتزود من السلاح من الفصائل العلمانية المرتدة، فتركه والحال هذه هو من خذلان المسلم وعدم نصرته، وهو مقتضى وقوفها على الحياد، فإن كان للجبهة عذر: كانشغالها بدفع النصيري الصائل على المستضعفين أو نحو ذلك من المصالح الشرعية المشابهة لظروف عقد صلح الحديبية مع قبول بشرط "رد المسلم إلى الكفار وتطبيق النبي لذلك عمليًّا "في قصة أبي جندل وأبي بصير المعروفة"، فلا تثريب عليها، وإن لم يكن ثم عذر فعليها إثم خذلان المسلم وعدم نصرته، ولكن لا يعد ذلك من المظاهرة المخرجة من الملة في شيء، ولو سرنا على المنهج الخاطئ في إساءة الظن بالمجاهدين، وقبول دعاوى خصومهم، وعدم تحري الدقة في تقرير الواقع وتكييفه والحكم عليه لحكمنا بتكفير "الدولة الإسلامية" بانسحابها من بعض الثغور، مما مكن النظام النصيري من الاستيلاء على بعض القرى وتطبيق أحكامه الكافرة عليها، ولأمكننا  كذلك تكييف قتال الدولة للنصرة في دير الزور على أنه مشتمل على الإعانة للنظام الذي يقاتلهم على الجبهة الأخرى في ذات المدينة، ومن ثم تمكينه من الاستيلاء على بعض قرى المسلمين وإظهار أحكام الكفر فيها، وهكذا نقع في تكفير خيار الأمة وأفاضلها بسبب غياب منهج العلم والعدل الذي تميز به أهل السنة والجماعة، وشيوع منهج الظلم والجهل الذي هو شعار أهل البدع (من الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعًا كل حزب بما لديهم فرحون) فكفَّرَ بعضُهم بعضًا وسفك بعضهم دم بعض، وأما السلف -رحمهم الله- فقد كانوا "مع الاقتتال يوالي بعضهم بعضًا موالاة الدين، لا يعادون كمعاداة الكفار، فيقبل بعضهم شهادة بعض، ويأخذ بعضهم العلم عن بعض، ويتوارثون ويتناكحون ويتعاملون بمعاملة المسلمين بعضهم من بعض، مع ما كان بينهم من القتال والتلاعن وغير ذلك" [الفتاوى3/284].. "بخلاف من والى موافقه وعادى مخالفه، وفرق بين جماعة المسلمين، وكفر وفسق مخالفه دون موافقه في مسائل الآراء والاجتهادات، واستحل قتال مخالفه دون موافقه، فهؤلاء من أهل التفرق والاختلاف" [الفتاوى3/348].

3- وهذا يقودنا إلى الخطأ الثاني الذي وقع فيه الكاتب في تكفيره "للنصرة" وهو الخطأ في تكييف الواقع بعد الخطأ في تقريره حيث كيَّف بعض صور الخذلان وعدم النصرة والتي سبق التفصيل في حكمها [كما في دعوى أبي محمد الأمريكي في ترك النصرة لجبهة ثوار سوريا ليمروا ويتزودوا من السلاح قرب حدود تركيا] فكيَّفها الكاتب -هداه الله- على أنها مظاهرة للكفار على المسلمين ومن ثم بنى عليها الحكم بالكفر والردة.

4- لو سلمنا جدلًا بأن جبهة النصرة (وهي القوة الكبرى في دير الزور) قد استعانت "بالمرتدين الصرحاء" على قتال الدولة ودفعها فما الحكم؟

الجواب: أن أهل العلم قد اختلفوا في حكم الاستعانة بالكفار على المسلمين البغاة وذكر ابن قدامة هذه المسألة في باب قتال أهل البغي -فيما أذكر- وبيَّن أن من أهل العلم من أجاز ذلك من باب دفع الظلم عن النفس، بشرط أن تكون يد المسلم غالبة عليهم بحيث يحجزهم عن التجاوز على المسلم والاعتداء عليه، فإن عدم الشرط فهو محرم، ومن أهل العلم من منعها بالإطلاق ولم يذكر عن أحد منهم أنه كفر من فعل ذلك.

فإن قيل: إن قتال النصرة مع الدولة من باب الهجوم وليس الدفع أو البغي فقد قال ابن حزم -رحمه الله-: "وأما من حملته الحمية من أهل الثغور من المسلمين فاستعان بالمشركين الحربيين وأطلق أيديهم على قتل من خالفه من المسلمين أو أخذ أمولهم أو سبيهم، فإن كانت يده هي الغالبة وكان الكفار له كأتباع فهو هالك في غاية الفسوق، ولا يكون بذلك كافرًا، لأنه لم يأت شيئًا أوجب به عليه كفرا قرآن أو إجماع، وإن كان حكم الكفر جاريًا عليه فهو بذلك كافرًا على ما ذكرنا، فإن كانا متساويين لا يجري حكم أحدهما على الآخر فما نراه بذلك كافرًا -والله أعلم- وإنما الكافر الذي برئ منه هو المقيم بين أظهر المشركين وبالله التوفيق" [المحلى-2199].

فتبين بهذا أن الاستعانة بالكافر على المسلم [في الدفع] محل خلاف بين العلماء فمنهم من أجازها بالشرط السابق ومنهم من حرمها، وأما في [غير الدفع] فقد قرر ابن حزم تحريمها، ولم أقف -على قلة اطلاعي- على من قرر كون الاستعانة كفرًا إلا في الصورة التي ذكرها ابن حزم: وهي أن يكون حكم الكفار جاريًا عليه وهذا أقرب إلى المظاهرة منها إلى الاستعانة وبهذا يتبين الخطأ الثالث الذي وقع فيه الكاتب -هداه الله- بعد خطأه في تقرير بعض الوقائع وتكييفها ألا وهو الخطأ في تقرير بعض الأحكام الشرعية، حيث استشهد بقول من سماه (غريب الإخوان) -في أحداث دير الزور (للاستعانة بالمشركين في قتال المسلمين أو القتال معهم ضد المسلمين في حملة واحدة هو الكفر الذي لا مراء فيه، بل هو مقطوع به محل إجماع الأمة)

 

فقرر الأخ الذي استشهد الكاتب بكلامه كون الاستعانة أو القتال في حملة واحدة كفر بالإجماع !!

فقارن هذا بما تقدم من كلام ابن حزم وابن قدامة في حكم الاستعانة بالمشرك على المسلم مع ما يستلزمه ذلك القتال في صف واحد فضلًا عن حملة واحده وأنهم لم ينقلوا الكفر بذلك عن أحد من العلماء سوى صورة واحدة ذكرها ابن حزم وهي أقرب إلى المظاهرة ليتبين لك الخطأ الواضح الذي وقع فيه الأخ ومن استشهد بكلامه في نقل الإجماع على الكفر بالاستعانة بالكافر على المسلم بإطلاق، ولعل الإجماع بخلافه [أي التكفير بمطلق الاستعانة] -والله اعلم-.

5- من العجيب أن الكاتب -هداه الله- عندما قرر كفر الجبهة وأنه من الكفر البواح وعمم الكفر على جميع أفرادها حتى من لم يقاتل أو يشارك منهم بالقتال، بل حتى المرابطين مع رجال الدولة على الثغور لقتال النصيرية، بشرط علمهم بالحوادث التي ذكر وعدم إعلانهم البراءة مع قدرتهم، مستدلًا بكلام جمهور أهل العلم في حكم الطائفة الممتنعة وأن الفرد فيها له حكم الطائفة، وأن أنصار الطائفة وأعوانها منها، وغاب عن الأخ -هداه الله- أن الأصل في النصرة هو الجهاد في سبيل الله دفعًا عن المسلمين وسعيًا لإعلاء كلمة الدين وهذه هي رايتها الواضحة التي على أساسها يجتمع الأفراد، أما الحوادث المذكورة فهي على فرض صحتها وكونها  كفرًا، فهي خافية على الأفراد، ومنكرة من قبل القيادة، كما خفي عليه أن جبهة النصرة ليست سوى فرقة وفرع من طائفة تنظيم القاعدة، وأميرها هو الشيخ أيمن الظواهري -حفظه الله- والجولاني تابع للأمير العام، والأمير العام له مندوبون في الشام وهو قادر على البراءة وكذلك سائر فروع التنظيم، وعلى هذا فيلزمه الحكم عليهم بالشرط الذي ذكره في حكمه على سائر أفراد جبهة النصرة؛ لاستوائهم في الانضواء تحت الطائفة الممتنعة وهو قد نعت الشيخ أيمن الظواهري بالإمام الثبت، وكذلك نعت الشيخين المقدسي وأبي قتادة بالأئمة الأثبات وأشار إلى تزكيتهما لجبهة النصرة مع أنهما لم يصدرا خطابيهما إلا بعد أشهر من التحري والمراسلة السرية مع الفريقين وأخذ الأخبار الدقيقة عن الثقات كما أشار المقدسي وكما أرسل الشيخ أبو قتادة مندوبا إلى الفريقين ليبيت مع كل فريق لياليًا وينظر في الأحوال والحجج والبينات ومن ثم أصدر كل واحد منهما خطابه وفي الخطابين من الموافقة والثناء على الشيخ أيمن والموافقة لجبهة النصرة والنقد والتثريب على الدولة مالا يخفى، بل وصل الحال بأبي قتادة إلى مطالبة الدولة بالدخول مع النصرة في سوريا (وذلك في خطاب سابق له)، -فإذا كان أنصار الطائفة الممتنعة وأعوانها منها وكان كفر جبهة النصرة من الكفر البواح فيلزمه تكفير الشيخين الفاضلين اللذين نعتهما بالأئمة الأثبات بالشرط الذي ذكره في تكفير المجاهدين من أنصار جبهة النصرة المرابطين على الثغور دون الدين والحرمات، ولا أقول هذا الكلام من باب التشنيع والتهويل، إنما ليراجع الكاتب وغيره تلك الأحكام العظيمة الجائرة التي أطلقوها على المجاهدين وليعيدوا النظر ويعملوا الفكر مرة بعد مرة، وليتهم الإنسان علمه وإحاطته بالواقع ورأيه، وليضع الأخطاء في سياقها وجمعها بعيدًا عن الانسياق خلف الأهواء والظنون، وما أحوجنا في أمثال هذه المسائل العظيمة إلى التدبر في قوله تعالى: (وإذا جاءهم أمر من الأمن أو الخوف أذاعوا به ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم ولولا فضل الله عليكم ورحمته لاتبعتم الشيطان إلا قليلا)

قال ابن كثير -رحمه الله-: "إنكار على من يبادر إلى الأمور قبل تحقيقها فيخبر بها ويفشيها وينشرها ولا يكون لها صحه".

وقال السعدي -رحمه الله-: "هذا تأديب من الله تعالى لعباده عن فعلهم هذا غير اللائق، وأنه ينبغي لهم إذا جاءهم أمر من الأمور المهمة والمصالح العامة مما يتعلق بالأمن وسرور المؤمنين أو الخوف الذي فيه مصيبة عليهم أن يتثبتوا ولا يستعجلوا بإشاعة ذلك الخبر بل يردونه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم أهل الرأي والعلم والنصح والعقل والرزانة الذين يعرفون الأمور ويعرفون المصالح وضدها، فإن رأوا في إذاعته مصلحة ونشاطا للمؤمنين وسرورا لهم وتحرزا من أعدائهم فعلوا ذلك، وإن رأوا أنه ليس فيه مصلحة أو فيه مصلحة ولكن مضرته تزيد على مصلحته لم يذيعوه، ولهذا قال: (لعلمه الذين يستنبطونه منهم) أي: يستخرجونه بفكرهم وآرائهم السديدة وعلومهم الرشيدة، .. وفيه النهي عن العجلة والتسرع لنشر الأمور من حيث سماعها والأمر بالتأمل قبل الكلام، والنظر فيه هل هو مصلحة فيقدم عليه الإنسان أم لا فيحجم عنه، ثم قال تعالى: (ولو لا فضل الله عليكم ورحمته) أي: في توفيقكم وتأديبكم وتعليمكم ما لم تكونوا تعلمون (لاتبعتم الشيطان إلا قليلا) لأن الإنسان بطبعه ظالم جاهل فلا تأمره نفسه إلا بالشر فإذا التجأ إلى ربه واعتصم به واجتهد في ذلك لطف به ربه ووفقه لكل خير وعصمه من الشيطان الرجيم" ا.هـ

وأشير هنا إلى أننا بفضل الله سبحانه لم نسمع من أمير الدولة الإسلامية أو المتحدث باسمها أو كبار شرعيها هذا الطرح المجافي للصواب الذي يطرحه الكاتب -هداه الله- وغيره من المناصرين أو بعض الأفراد والشرعيين، وفي رسالة الشيخ أبي محمد المقدسي -حفظه الله- إشارة إلى تبرؤهم من هذا الطرح، والله أعلم.

اللهم رب جبرائيل وميكائيل وإسرافيل فاطر السماوات والأرض عالم الغيب والشهادة أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون اهدنا لما اختلف فيه من الحق بإذنك إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم، اللهم اجمع كلمة المجاهدين في الشام وسائر البلاد على الحق والهدى، اللهم اجمع على التوحيد شملهم، واقرن بالتوفيق أمرهم، واجعل قلوبهم على قلب خيارهم، اللهم ما كان في هذه الأسطر من صواب فمنك وحدك لا شريك لك وما كان فيها من خطأ فمن نفسي والشيطان، وأنا راجع عنه في دنياي وبعد وفاتي وآخر دعوانا أن الحمد الله رب العالمين.