ما هي شروط البيعة للحاكم و ما هي موجبات خلع الحاكم ؟

كتب الأخ الكريم الشريف حمزة الكتاني ردا على هذيان عالمي السوء محمد سعيد رمضان البوطي، وأحمد حسون، اللذين دعيا إلى وجوب الجهاد في صف الحاكم الباطني، والجيش الذي يقول: لا إله إلا بشار، والنظام البعثي الملحد، فإنني أنشر فتوى لشيخ الإسلام، وعالم الشام والمغرب والحجاز؛ أبي عبد الله محمد بن جعفر الكتاني الحسني، المتوفى بمدينة فاس عام 1345، رضي الله عنه، في شروط البيعة وموجبات خلع الحاكم، وذلك عن خط يده الشريفة...قال رحمه الله تعالى:

الحمد لله وحده، وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم تسليما

تقييد في أحكام خلع الحاكم

في "المواقف" وشرحه: "وللأمة خلع الإمام وعزله لسبب يوجبه؛ مثل: أن يوجد منه ما يوجب اختلال أمور المسلمين، وانتكاس أمور الدين، كما كان لهم نصبه وإقامته، لانتظامها وإعلائها، وإن أدى خلعه إلى الفتنة؛ احتمل أدنى المضرتين". اهـ.

وفي "شرح المقاصد": "ينحل عقد الإمامة بما يزول به مقصود الإمامة؛ كالردة والجنون المطبق، وصيرورته أسيرا لا يرجى خلاصه...إلخ ما قال". نقله كالذي قبله شيخ الإسلام أبو محمد سيدي عبد القادر الفاسي في تأليفه في "أحكام الإمامة" بعد أن صدرهما بقوله:

"وأما العزل؛ فإنه لا يجوز بلا سبب، ولو خلعوه؛ امتنع تقدم غيره، والسبب المتفق عليه هو: كل ما يزول به مقصود الإمامة". اهـ.

ثم قال بعد ما نصه: "وقال الإمام المكي: الذي عليه الجمهور: أنه لا يعزل بالفسق؛ لأن ذلك قد ينشأ عنه فتنة هي أعظم من فسقه، وذهب الشافعي في القديم إلى أنه: يعزل، وعليه اقتصر الماوردي في "الأحكام السلطانية"، وقال إمام الحرمين: وإذا جار والي الوقت وظهر ظلمه، ولم ينزجر عن سوء صنيعه بالقول؛ فلأهل الحل والعقد التواطؤ على خلعه ولو بشهر السلاح ونصب الحروب!". اهـ.

ثم قال: "وأما قول إمام الحرمين؛ فقد قال النووي بعد نقل كلامه وما ذكر من خلعه: غريب. ومع هذا فهو محمول على ما إذا لم يخف منه إثارة مفسدة أعظم. هـ". اهـ. كلام إمام الحرمين هذا ذكره النووي في شرح مسلم، في شرح حديث: "من رأى منكم منكرا"...إلخ، من كتاب الإيمان، وذكره ابن حجر الهيتمي – أيضا – في شرح "الأربعين"

وقال ابن زكري في "شرح النصيحة": "يفهم من كلام ابن عرفة في شامله أنه: إنما يقام على الكافر اتفاقا، والفاسق على حد القولين فيه إن ظننت القدرة عليه، وأما إذا تحقق العجز؛ فإنه لا يجب على الأول، ويحرم على الثاني، ويجب على المسلم أن يهاجر من أرضه إلى غيرها".

وقد صرح بهذا الأبي، وفي "شرح المقاصد": "ومن صار إماما بالقهر والغلبة؛ ينعزل بأن يقهره آخر ويغلبه".

وأخرج أحمد والطيالسي، والطبراني عن ثوبان مولى المصطفى، والطبراني في "الكبير" عن النعمان بن بشير رفعاه: "استقيموا لقريش ما استقاموا لكم، فإن لم يستقيموا لكم؛ فضعوا سيوفكم على عواتقكم ثم أبيدوا خضراءهم، فإن لم تفعلوا؛ فكونوا حراثين زراعين أشقياء، تأكلون من كد أيديكم". قال في "الفتح": "إلا أن فيه انقطاعا؛ ساقه عن ثوبان رجاله ثقات، إلا أن فيه انقطاعا؛ لأن راويه سالم بن أبي الجعد لم يسمع من ثوبان. قال: وله شاهد في الطبراني وحديث النعمان بن بشير بمعناه". اهـ.

وفي "التيسير" للمناوي: "أي: استقيموا لهم بالطاعة ما أقاموا على الدين وحكموا فيكم بحكمه، فإن لم يستقيموا لكم على ذلك؛ فقعوا سيوفكم على عواتقكم متأهبين للقتال، ثم أبيدوا – أهلكوا – خضراءهم – أي: سوادهم ودماءهم؛ يعني:اقتلوا جماهيرهم وفرقوا جمعهم". ثم قال: "ورمز المؤلف لحسنه – يعني: الحديث – ولعله لاعتقاده". اهـ.

وقال العزيزي: "أي: استقيموا لهم بالطاعة مدة استقامتهم على الأحكام الشرعية، فإن لم يستقيموا لكم بأن خالفوا الأحكام الشرعية؛ فضعوا سيوفكم على عواتقكم؛ أي: تهبوا لقتالهم". اهـ.

 

وقال العارف الحفني: "قوله: لقريش؛ أي: ولاة الأمر منهم. أي: فأطيعوا ولاة أمركم إن استقاموا، وإلا؛ فلا؛ إذ لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق. وقوله: فضعوا سيوفكم. كناية عن التهيؤ للقتال. وقوله: أبيدوا؛ أي: أهلكوا. خضراءهم؛ أي: جيوشهم. وكتب الشيخ عبد البر الأجهوري على قوله: ثم أبيدوا خضراءهم: أي: اقتلوهم عن آخرهم". اهـ.

وقال النووي في كتاب الإمارة من شرحه لمسلم ما نصه: "قال القاضي عياض: أجمع العلماء على أن الإمامة لا تنعقد لكافر، وعلى أنه لو طرأ عليه الكفر؛ انعزل، قال: ولو ترك إقامة الصلوات والدعاء إليها؛ قال: وكذا عند جمهورهم: البدعة، قال: وقال بعض البصريين: تنعقد له وتستدام له؛ لأنه متأول، قال القاضي: فلو طرأ عليه كفر أو تغيير للشرع، أو بدعة؛ خرج عن حكم الولاية، وسقطت طاعته، ووجب على المسلمين القيام عليه وخلعه، ونصب إمام عادل إن أمكنهم ذلك. فإن لم يقع ذلك إلا لطائفة؛ وجب عليهم القيام بخلع الكافر، ولا يجب في المبتدع إلا إذا ظنوا القدرة عليه، فإن تحققوا العجز؛ لم يجب القيام، وليهاجر المسلم عن أرضه إلى غيرها، وليفر بدينه". انتهى منه بلفظه.

وفي "الصحيح" من حديث معاوية مرفوعا: "إن هذا الأمر في قريش، لا يعاديهم أحد إلا كبه الله في النار على وجهه، ما أقاموا الدين!".

وقال في "الفتح"، في كتاب الأحكام، في الكلام على حديث: "فإذا أمر بمعصية؛ فلا سمع ولا طاعة". بعد كلام ما نصه:

"وقد تقدم البحث في هذا الكلام على حديث عبادة في الأمر بالسمع والطاعة؛ إلا أن تروا كفرا بواحا بما يغني عن إعادته، وهو في كتاب "الفتن"، وملخصه: أنه ينعزل بالكفر إجماعا، فيجب على كل مسلم القيام في ذلك، فمن قوى على ذلك؛ فله الثواب، ومن داهن؛ فعليه الإثم، ومن عجز؛ وجبت عليه الهجرة من تلك الأرض". اهـ.

 

وقال في "إرشاد الساري"، في كتاب الفتن، في باب قول النبي صلى الله عليه وسلم: "سترون بعدي أمورا تنكرونها"، بعد أحاديث ما نصه: "وفي هذه الأحاديث حجة في ترك الخروج على أيمة الجور، ولزوم السمع والطاعة لهم، وقد أجمع الفقهاء على أن الإمام المتغلب تلزم طاعته ما أقام الجماعات والجهاد، إلا إذا وقع منه كفر صريح؛ فلا تجوز طاعته في ذلك، بل تجب مجاهدته لمن قدر". اهـ.

وقال اليفرني: "قال علماؤنا: الذي يجب به خلع الإمام شيئان: أحدهما يرجع إلى نقص في دينه، والثاني: يرجع إلى نقص في بدنه، فأما ما يرجع إلى دينه؛ فشيئان: أحدهما متفق عليه، والثاني مختلف فيه، والمتفق عليه شيئان؛ أحدهما: الكفر، والثاني: ترك إقامة الصلاة والدعاء إليها". ثم ذكر باقي الأقسام، نقله أيضا سيدي عبد القادر الفاسي في "أحكام الإمامة".

وقال أيضا: "وقال الأبي: معنى: ما صلوا: ماداموا على الإسلام، وقيل: المراد الصلاة حقيقة؛ للإشعار بعظيم أمرها، وأن تركها يوجب نزع اليد من الطاعة كالكفر، وهو أحد الموجبات للقيام على الحجاج؛ لأنه يميت الصلاة؛ أي: يخرجها عن وقتها. اهـ.". اهـ.

وقال أيضا: "وقال ابن المنير على حديث: إن الله يؤيد هذا الدين بالرجل الفاجر: السلطان إذا حمى حوزة الإسلام لا يخرج عليه ويخلع؛ لأن الله قد أيد به دينه، فيجب الصبر عليه والسمع والطاعة في غير المعصية، ومن هذا الوجه: استباح العلماء الدعاء للسلطان بالتأييد والنصر، وغير ذلك من الخير. اهـ.". اهـ.

وأخرج مسلم من حديث أم سلمة مرفوعا: "سيكون أمراء فتعرفون وتنكرون، فمن كره بريء، ومن أنكر؛ سلم، ولكن من رضي وتابع". قالوا: "أفلا نقاتلهم؟". قال: "لا؛ ما صلوا، لا؛ ما صلوا!".

ومن حديث عوف بن مالك عند مسلم أيضا رفعه: "خيار أئمتكم الذين تحبونهم ويحبونكم". وفيه: "قلنا: يا رسول الله؛ أفلا ننابذهم عند ذلك؟". قال: "لا؛ ما أقاموا فيكم الصلاة، لا؛ ما أقاموا فيكم الصلاة!".

قال الطيبي: "فيه إشعار بتعظيم أمر الصلاة، وأن تركها موجب لترك اليد عن الطاعة؛ كالكفر". اهـ. نقله في "مرآة المفاتيح".

وفي "فتح الباري"، في باب قول النبي صلى الله عليه وسلم: "سترون بعدي أمورا تنكرونها"، من كتاب الفتن ما نصه:

"وقد أجمع الفقهاء على وجوب طاعة السلطان المتغلب والجهاد معه، وأن طاعته خير من الخروج عليه؛ لما في ذلك من حقن الدماء، وتسكين الدماء، وحجتهم: هذا الخبر – يعني: حديث البخاري عن ابن عباس مرفوعا: من رأى من أميره شيئا يكرهه؛ فليصبر عليه. الحديث – وغيره مما يساعده، ولم يستثنوا من ذلك إلا إذا وقع من السلطان الكفر الصريح، ولا تجوز طاعته في ذلك، بل تجب مجاهدته لمن قدر عليها كما في الحديث الذي بعده". اهـ.

يعني: حديث عبادة بن الصامت، وفيه: "وأن لا ننازع الأمر أهله إلا أن تروا كفرا بواحا عندكم من الله فيه برهان".

وفي سنن ابن ماجه عن أم الحصين رفعته: "إن أمر عليكم عبد حبشي مجذع، فاسمعوا له وأطيعوا ما قادكم بكتاب الله".

وفيها أيضا عن ابن مسعود مرفوعا: "سيلي أموركم بعدي رجال يطفئون السنة، ويعملون بالبدعة، ويؤخرون الصلاة عن مواقيتها". فقلت: "يا رسول الله؛ إن أدركتهم كيف أفعل؟". قال: "تسألني يا ابن أم عبد كيف تفعل؟. لا طاعة لمن عصى الله!".

وقال في "الفتح" أيضا، في الباب المذكور ما نصه: "ونقل ابن التين عن الداودي قال: الذي عليه العلماء في أمراء الجور أنه: إن قدر على خلعه بغير فتنة ولا ظلم؛ وجب، وإلا؛ فالواجب: الصبر". وعن بعضهم: "لا يجوز عقد الولاية لفاسق ابتداء، فإن أحدث جورا بعد أن كان عدلا؛ فاختلفوا في جواز الخروج عليه، والصحيح: المنع، إلا أن يكفر؛ فيجب الخروج عليه". اهـ.

انتهى مقيدا من خط الإمام الحافظ شيخ الإسلام أبي عبد الله محمد بن جعفر بن إدريس الشريف الكتاني الفاسي ولادة، المدني ثم الدمشقي مهاجرا، الفاسي وفاة سنة 1345 للهجرة، رحمه الله رحمة واسعة ورضي عنه..

وبهذا يتبين شرعا أن نظام البعث في سوريا قد استوجب الخلع والزوال شرعا، وأن القائمين بخلعه بنية إقامة شرع الله تعالى هم المجاهدون حقا، والشهداء صدقا، وأن من كان في صفه فهو ملحد باغ، لا شرعية له دينا ولا قانونا....

 

 

المفتى أو المستشار: 
العلامة محمد بن جعفر الكتاني