فـقـه الإســـــتئـســـــار في نازلة الشام

شبكة الدرر الشامية - القسم العلمي
إن نازلة الشام من أعظم ما نزل بالمسلمين في زماننا على أيدي النظام النصيري الكافر الذي أنزل بأهل الشام أعظم صنوف التنكيل و البطش و القتل و التشريد ، حتى صار مثلا يضرب في البشاعة الطاغوتية ، لاسيما فيمن وقع في يديه أسيرا ، يستوى في ذلك الرجل و المرأة و الشيخ و الطفل ، و فى ظل هذه البشاعة ، خاصة مع المستضعفين من الرجال و النساء و الولدان قد يضطر الواحد منهم الإستسلام لهذا النظام النصيري المجرم و قد يقع ذلك للمقاتل و غيره ، مما يحتاج معه بيان هذا في الفقه الإسلامي و هو ما يعرف بفقه " الإستئسار"

إن نازلة الشام من أعظم ما نزل بالمسلمين في زماننا على أيدي النظام النصيري الكافر الذي أنزل بأهل الشام أعظم صنوف التنكيل و البطش و القتل و التشريد، حتى صار مثلًا يُضرب في البشاعة الطاغوتية، لاسيما فيمن وقع في يديه أسيرًا، يستوي في ذلك الرجل و المرأة و الشيخ و الطفل، و في ظل هذه البشاعة، خاصة مع المستضعفين من الرجال و النساء و الولدان قد يُضطر الواحد منهم للاستسلام لهذا النظام النصيري المجرم، و قد يقع ذلك للمقاتل و غيره، مما يحتاج معه بيان هذا في الفقه الإسلامي و هو ما يعرف بفقه "الاستئسار"

و الاستئسار : هو أن يُسلِّم المسلم أو المقاتل نفسه للأعداء للأسر.

والأصل أن الاستسلام للعدو والاستئسار لا يجوز إلا لمن غُلِب وأدركه العجز.

أما من كان قادرًا على جهادهم و دفعهم عنه، فلا يجوز له الاستئسار و الاستسلام، و أن من يفعل ذلك مختارًا و ليس مضطرًّا فقد وقع في الإثم، فالذي يسلم نفسه للأعداء لأنه تعب من الجهاد و أراد الراحة أو نحو ذلك فهو آثم، و يعظم الإثم بقدر ما يترتب على هذا الانهزام النفسي أمام الأعداء .

و كذلك يحرم الاستئسار لمن يغلب على ظنه أنه بأسره سيوقع الضرر بالمجاهدين و المسلمين بالإدلاء عن معلومات أو استخدامه للإيقاع بهم، فيجب عليه أن يقاتل حتى يُقتل و لا يستسلم للأعداء،

و كذلك إن غلب على ظنه أن العدو سيقوم بتعذيبه تعذيبًا يُفضي به إلى الموت، فليس له أن يستسلم بل يقاتل حتى يقتل .

أما إن غلب على ظنه عدم حصول شيء مما سبق، فيجوز له ترخُّصًا إن عجز أو اضطر لذلك، و الأولى أن يثبت و لا يستسلم، كما قال الإمام أحمد رحمه الله: "ما يعجبني أن يستأسر. وقال : فليقاتل أحب إليّ "

وقد وقع الاستئسار من بعض المسلمين على عهد رسول اللّه - صلى الله عليه وسلم - ، وعلم به الرّسول - صلى الله عليه وسلم - فلم ينكر عليهم، فقد روى البخاريُّ عن أبي هريرة - رضي الله عنه - بسنده قال: «بَعَثَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم عَشَرَةَ رَهْطٍ عَيْنًا، وأَمَّرَ عَلَيْهِمْ عَاصِمَ بْنَ ثَابِتٍ الْأَنْصَارِيَّ، فَانْطَلَقُوا حَتَّى إِذَا كَانُوا بِالْـهَدْأَةِ - مَوْضِعٌ بَيْنَ عُسْفَانَ وَمَكَّةَ - ذُكِرُوا لِبَنِي لِحْيَانَ، فَنَفَرُوا لَـهُمْ قَرِيبًا مِنْ مِائَتَيْ رَجُلٍ كُلُّهُمْ رَامٍ، فَاقْتَصُّوا أَثَرَهُمْ، فَلَمَّا رَآهم عَاصِمٌ وَأَصْحَابُهُ لَـجَؤُوا إِلَى فَدْفَدٍ - مَوْضِعٌ غَلِيظٌ مُرْتَفِعٌ - وَأَحَاطَ بِهِمُ الْقَوْمُ، فَقَالُوا لَـهُمْ: انْزِلُوا وَأَعْطُوا بِأَيْدِيكُمْ، وَلَكُمُ الْعهْدُ وَالْـمِيثَاقُ أَلَّا نَقْتُلَ مِنْكُمْ أَحَدًا، قَالَ عَاصِمٌ: أَمَّا أَنَا فَوَاللهِ لَا أَنْزِلُ الْيَوْمَ فِي ذِمَّةِ كَافِرٍ، اللَّهُمَّ خَبِّرْ عَنَّا نَبِيَّكَ، فَرَمَوْهُمْ بِالنَّبْلِ فَقَتَلُوا عَاصِمًا فِي سَبْعَةٍ، فَنَزَلَ إِلَيْهِمْ ثَلَاثَةُ رَهْطٍ بِالْعَهْدِ وَالْـمِيثَاقِ، مِنْهُمْ خُبَيْبٌ الْأَنْصَارِيُّ، وَزَيْدُ بْنُ الدَّثِنَةِ، وَرَجُلٌ آخَرُ. فَلَمَّا اسْتَمْكَنُوا مِنْهُمْ أَطْلَقُوا أَوْتَارَ قِسِيِّهِمْ فَأَوْثَقُوهُمْ، فَقَالَ الرَّجُلُ الثَّالِثُ: هَذَا أَوَّلُ الْغَدْرِ، واللهِ لَا أَصْحَبُكُمْ، إِنَّ لِي فِي هَؤُلَاءِ لَأُسْوَةً - يُرِيدُ الْقَتْلَى - فَجَرُّوهُ وَعَالَـجُوهُ عَلَى أَنْ يَصْحَبَهُمْ - أَيْ مَارَسُوهُ وَخَادَعُوهُ لِيَتْبَعَهُمْ - فَأَبَى فَقَتَلُوهُ، وَانْطَلَقُوا بِخُبَيْبٍ وَابْنِ الدَّثِنَةِ حَتَّى بَاعُوهُمَا بِمَكَّةَ»،

ففي هذه القصة أن بعض الصحابة أخذ بالعزيمة، ولم ينزل على حكم الكافر، ولم يستأسر، بل قاتل حتى قُتل، ومنهم من أخذ بالرخصة فاستأسر ونزل على حكم الكفار فأسروه ثم باعوه ثم قتلوه.

و قال الشوكاني في «نيل الأوطار» : وقد استدل المصنف - رحمه الله تعالى - بهذا الحديث على أنه يجوز لمن لم يقدر على المدافعة ولا أمكنه الهرب أن يستأسر، وهكذا ترجم البخاريُّ على هذا الحديث باب: هل يستأسر الرجل، ومن لم يستأسر؛ أي هل يسلم نفسه للأسر أم لا.

و قال أيضًا: (ووجه الاستدلال بذلك؛ أنه لم ينقل أن النبي - صلى اللّه عليه وآله وسلم - أنكر ما وقع من الثلاثة المذكورين من الدخول تحت أسر الكفار، ولا أنكر ما وقع من السبعة المقتولين من الإصرار على الامتناع من الأسر، ولو كان ما وقع من إحدى الطائفتين غير جائز، لأخبر النبي - صلى اللّه عليه وسلم - أصحابه بعدم جوازه وأنكره، فدل ترك الإنكار على أنه يجوز لمن لا طاقة له بعدوه أن يمتنع من الأسر وأن يستأسر)

وقال الخطابي - رحمه الله - في "معالم السنن" في شرح هذا الحديث: (وفيه من العلم؛ أن المسلم يجالد العدو إذا أُرهق ولا يستأسر له ما قدر على الامتناع منه).

قال ابن قدامة في المغني (كتاب الجهاد):

في شرح قول الخرقي رحمه الله: (ولا يحل لمسلم أن يفر من كافريْن، ومباح له أن يهرب من ثلاثة، فإن خشي الأسر؛ قاتل حتى يُقتل): (وإذا خشي الأسر؛ فالأولى له أن يقاتل حتى يُقتل ولا يسلم نفسه للأسر، لأنه يفوز بثواب الدرجة الرفيعة، ويَسلم من تحكُّم الكفار عليه بالتعذيب والاستخدام والفتنة، وإن استأسر جاز لما روى أبو هريرة)، ثم ذكر خبر عاصم بن ثابت رضي الله عنه، (فعاصم أخذ بالعزيمة، وخبيب وزيد أخذا بالرخصة، وكلهم محمود غير مذموم ولا ملوم).

وجاء في "مُغني المحتاج شرح المنهاج": (من قُصِد من المكلفين - ولو عبدًا أو امرأة أو مريضًا ونحوه - . . . دفع عن نفسه الكفار بالممكن له، إن علم أنه إن أُخذ قُتل. . . وإن جوز المكلف المذكور الأسر والقتل فله أن يدفع عن نفسه وأن يستسلم. . . إن كان رجلًا، لأن المكافحة حينئذ استعجال للقتل، والأسر يحتمل الخلاص، هذا إن علم أنه إن امتنع من الاستسلام قتل، وإلا امتنع عليه الاستسلام، أما المرأة؛ فإن علمت امتداد الأيدي إليها بالفاحشة فعليها الدفع وإن قُتلت، لأن الفاحشة لا تباح عند خوف القتل، وإن لم تمتد إليها الأيدي بالفاحشة الآن، ولكن توقعتها بعد السبي احتمل جواز استسلامها ثم تدفع إذا أريد منها. . .).

ويتأكد فقه الاستئسار في حق قادة الجهاد و أئمة المسلمين الذين يحملون أسرارًا و معلومات بأَسْرهم قد تقع في أيدي الأعداء ،فيكون الضرر العظيم على الأمة و المجاهدين، فيجب عليهم الثبات حتى الممات.

أما المرأة التي يغلب على ظنها وقوع الأعداء عليها في أسرها و اغتصابها، فلا يجوز لها الاستئسار و تأثم إن فعلت .

بخلاف ما لو خافت على نفسها من الاغتصاب و الاعتداء بعدم الاستئسار، فجاز لها ترخُّصًا .

و قد سُئل الشيخ محمد بن إبراهيم - رحمه الله - من بعض المجاهدين الجزائريين إبان حرب التحرير عن مسألة قتل الأسير لنفسه، لمنع إفشاء الأسرار للأعداء فأجاب : الفرنساويون يستعملون أسلوبًا يسمى بـ "الشرنجات" (و هو ما يسميه العامة عندنا "السرنجات"، أي الحُقَن التي تستخدم لحقن الأدوية والعقاقير ) وهم يحقنون المجاهدين بالمخدرات إذا استولوا على واحد منهم، ليعلمهم بالذخائر والمكامن وأُسَر المجاهدين، ومن يأسرونه قد يكون من الأكابر، فيخبرهم أن في المكان الفلاني كذا وكذا، وهذه الإبرة تسكره إسكارًا مؤقتًا، وقال : جاءنا جزائريون ينتسبون إلى الإسلام يقولون؛ هل يجوز للإنسان أن ينتحر مخافة أن يضربوه بالشرنقة ؟ ويقول: أموت أنا وأنا شهيد، مع أنهم يعذبونه بأنواع العذاب؟ فقلنا لهم: إذا كان كما تذكرون، فيجوز، و دليلنا هو من حديث الغلام والكاهن "آمنا برب الغلام"، و بعض أهل العلم يستشهد بقصة السفينة التي عادة ما يستشهد بها بعض أهل العلم؛ ويشير - رحمه الله - إلى مسألة احتراق السفينة في البحر، هل لركابها أن يلقوا بأنفسهم في الماء اختيارًا للغرق على الحريق أم لا؟

جاء في المدونة للإمام مالك: قلت - والقائل هو سحنون يسأل شيخه ابن القاسم، تلميذ الإمام مالك – أرأيت السفينة إذا أحرقها العدو وفيها أهل الإسلام، أكان مالك يكره لهم أن يطرحوا بأنفسهم؟ وهل يراهم قد أعانوا على أنفسهم؟ قال: بلغني أن مالكًا سُئل عنه، فقال؛ لا أرى به بأسًا، إنما يفرون من الموت إلى الموت، قال ابن وهب؛ قال ربيعة: أيما رجل يفر من النار إلى أمر يعرف أن فيه قتله فلا ينبغي له، إذا كان يفر من موت إلى موت أيسر منه فقد جاء ما لا يحل له، وإن كان إنما تحامل في ذلك رجاء النجاة. . . فكل متحامل لأمر يرجو فيه النجاة فيه فلا جناح عليه، وإن عطب فيه، قال: وبلغني عن ربيعة أنه قال: وإن صبر فهو أكرم إن شاء الله.

ويتساءل الشيخ حسن أيوب في كتابـه "الفدائية في الإسلام":

(هل يقتل المسلم نفسه ليغيظ عدوه؟ وأجاب - رحمه الله -: إنَّ الأصل في قتل النفس أنه حرام، ومن الكبائر وهذا القتل يعتبر تعديًا لحدود الله، وظلمًا للنفس التي حرم الله قتلها إلا لأسباب شرعها الله، ويعتبر فاعله ساخطًا على قضاء الله وقدره وغير راضٍ بحكم الله فيه، لذلك أسرع فتخلص من ألمه بقتل نفسه، وهذا النوع هو المسمى بـ "الانتحار" في عصرنا هذا، وحرمته لا شك فيها، ولكن هناك حالات يقع فيها المقاتل أو الفدائي تحت أيدي عدوه فيقوم بتعذيبه أشد أنواع التعذيب، سواء بالإحراق بالنار أو بتقطيع أجزاء من جسمه أو بنفخه أو بتعليقه من خطاطيف مدلاة من السقف من رجليه بحيث يكون رأسه إلى أسفل، أو بتسليط الكهرباء عليه من وقت لآخر. . . إلى آخر هذه الأنواع التي صارت سمة كلاب العصر الحديث، والتي اخترعها النازيون والبعثيون والشيوعيون، ونفذه همج ورعاع البشر الذين لا إنسانية عندهم ولا رحمة في قلوبهم.

فما الحكم لو وقع إنسان تحت طائلة هذا العذاب، هل يحق له أن ينتحر؟؟؟ قلت هنا : وها هو قد استأسر ووقع بأيدي الظالمين آخذًا بالرخصة، أو أنه ألقي عليه القبض بأمر جلاوزة الحكام الحزبيين الظالمين، فصار أسيرًا بيدهم ؟ وأجاب حسن أيوب : إن الانتحار إن كان له مبرر أصيل قوي، ويتصل بأمر يخص المسلمين وينفعهم، وبدونه يحصل الضرر للمسلمين، فإنه حينئذ يكون جائزًا، وذلك كأن يُعذَّب إنسان من أجل الإفضاء بأسرار تتعلق بمواقع الفدائيين أو بأسمائهم أو بكشف خطط الجيش الإسلامي أو بمواقع الذخيرة أو السلاح، إلى آخر ما يعتبر علم العدو به خطرًا على الجيش الإسلامي أو على أفراد المسلمين أو على حريمهم أو ذراريهم، ويرى أنه لا صبر له على التعذيب، وأنه مضطر أن يفضي بهذه الأسرار، أو يعلم أن الأعداء يحقنونه بمادة مؤثرة على الأعصاب بحيث يبوح بما عنده من أسرار تلقائيًّا بدون تفكير أو شعور بخطورة ما يقول.

ويشهد لذلك أقوال العلماء فيمن ألقى بنفسه على الأعداء وهو يعلم أنه مقتول لا محالة، ولكنه يرى أن في ذلك خيرًا للإسلام أو للمسلمين، وحالتنا هذه أهم وأخطر.

ويضيف الشيخ: أما إذا كان الانتحار بسبب أنه تأكد من أنهم يقتلونه، ولكنهم يعذبونه قبل ذلك تنكيلًا به وإغاظة للمسلمين، فإنه إن انتحر في هذه الحالة، فإن انتحاره يكون حرامًا، ولكنه لا يكون كبيرة من الكبائر، ولا يبعد جوازه".

وبهذا يتبين لنا ما ينبغي أن يكون عليه فقه الاستئسار حتى لا تتعارض معالجة الموقف مع مقاصد الشريعة، حيث الواقع الشامي تتداخل فيه مجالات متعددة للمقاصد كالمقاصد السياسية أو العسكرية و نحوها مما يفصل نفسه عن مقاصد الشريعة، والحق أن مقاصد الشريعة هي الحاكمة على هذه المقاصد، فهي البوابة الشرعية للحكم و الفتوى و المعالجة الواقعية، و الله - تعالى - الهادي إلى سبيل الرشاد .

اللهم أنجِ عبادك المُستضعَفين في بلاد الشام و في كل مكان، اللهم فك أسرهم و فرِّجْ كربهم، واجعل الصولة و الجولة و الدولة لعبادك المجاهدين . اللهم آمين . و الحمد لله رب العالمين .