الإساءة إلى المقدسات الإسلامية منهجه الغرب وإستراتيجية المواجهة

عصام زيدان
تكررت الإساءة إلى مقدسات المسلمين في الآونة الأخيرة بشكل لافت للنظر، نالت من النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم ، ومن كتاب الله عز وجل ، وغير ذلك من المقدسات . كما تنوعت مصادرها وتعددت اتجاهاتها، مما ينم عن منهجية غربية ثابتة في مواجهة معتقدات الأمة وثوابتها، وهو ما يعني بالضرورة أهمية وجود إستراتيجية شاملة للمواجهة لا تقف عند حد الانفعال العاطفي المجرد. ونحاول في هذا المقال عرض المنهجية الغربية في الإساءة للمقدسات الإسلامية، ثم نقترح بعد ذلك إستراتيجية لمواجهة هذه الإساءة ومنطلقاتها.

تكررت الإساءة إلى مقدسات المسلمين في الآونة الأخيرة بشكل لافت للنظر، نالت من النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم ، ومن كتاب الله عز وجل ، وغير ذلك من المقدسات . كما تنوعت مصادرها وتعددت اتجاهاتها، مما ينم عن منهجية غربية ثابتة في مواجهة معتقدات الأمة وثوابتها، وهو ما يعني بالضرورة أهمية وجود إستراتيجية شاملة للمواجهة لا تقف عند حد الانفعال العاطفي المجرد.

ونحاول في هذا المقال عرض المنهجية الغربية في الإساءة للمقدسات الإسلامية، ثم نقترح بعد ذلك إستراتيجية لمواجهة هذه الإساءة ومنطلقاتها.

· المنهجية الغربية في الإساءة للمقدسات الإسلامية :

الغرب في إساءته القبيحة تلك للأمة انطلق من منهجية واضحة وراسخة في ذهنه، ولم تكن خبط عشواء أو ارتجالية كما يزعم بعضهم ، أو رد فعل على هجمات الحادي عشر من سبتمبر ، بل نرى تناغماً من ورائه قوى تحركه في ظلام الجهل والحقد الغربي على الأمة الإسلامية .

وهذه بعض خيوط ذلك المنهج الآثم من واقع ما مر بنا من تجارب مريرة انتهكت فيها أعظم مقدسات الإسلام :

1- شمول الإساءة لكل ما هو مقدس في الإسلام :

الإساءة الغربية للمقدسات الإسلامية لم تقتصر على شيء واحد، بل تعددت أوجهها ؛ فبعضها تعرض للإسلام ذاته ، وانتهاكات أخرى وجهت لكتاب الله عز وجل ، وثالثة تعرضت للنبي محمد صلى الله عليه وسلم ، ورابعة وجهت إلى بعض شعائر الدين كالحجاب والصيام .

- فقد انتهكت حرمة كتاب الله ، ووضع في القاذورات والمرحاض في سجون جوانتانامو نكاية بالمعتقلين هناك، وشيء من ذلك أيضاً شهدته سجون الاحتلال الصهيوني ، وفي رسالة نشرتها صحيفة "فولكسكرانت" الهولندية بعنوان "كفى .. أمنعوا القرآن" وصف النائب الهولندي جيرت فيلدرز ، رئيس حزب الحرية المصحف بأنه "كتاب فاشي " وطالب بمنعه من البلاد .

- وتعرض النبي صلى الله عليه وسلم للسخرية من خلال الرسول المسيئة في صحف الدنمارك والنرويج والسويد ، هذا فضلاً عن المقالات التي عرضت له ولحياته بطريقة مهينة تنم عن حق دفين .

- واقترن الإسلام بالإرهاب بعد الهجمة التي قادتها الولايات المتحدة عقب أحداث الحادي عشر من سبتمبر ، وظهرت الدعوات اليمينية التي تدعو إلى طرد المسلمين من أوروبا متزامنة مع تصريح بابا الفاتيكان بأن الإسلام انتشر بالإكراه وحد السيف .

- ويواجه النقاب والحجاب حرباً مستعرة في عدد من الدول الأوروبية ، حيث أبدى مفوض العدل بالاتحاد الأوروبي "فرانكو فاتيني"، معارضته للحجاب ، زاعماً أن ارتداء المرأة المسلمة له داخل المجتمعات الغربية يزيد عملية الاندماج صعوبة ، وأنه يتعارض مع القيم والنظم الأوروبية الحضارية . كما أصدرت فرنسا قانون يحظر ارتداء الحجاب في المدارس ، وتحظر بعض الولايات الألمانية على المعلمات في المدارس الحكومية ارتداء الحجاب ، وكذلك حظرت إيطاليا جميع أغطية الوجه بأن أعادت العمل بقوانين قديمة كانت قد صدرت لمواجهة ما يسمى "الإرهاب" المحلي .

2- الهجوم من قبل كافة التيارات والشخصيات:

لم يعد التهجم على الإسلام والنيل من مقدساته حكراً على فئة بعينها، بل شمل كافة القطاعات الغربية بما فيها رجال السياسة والصحفيين والممثلين ورسامي الكاريكاتير، وشرائح عدة من المجتمع الغربي .

- فرئيس حزب التقدم النصراني النرويجي "كارلي هاغين" المعادي للعرب والمسلمين تهجم علانية على رسول الإسلام صلى الله عليه وسلم الذي في نظره يجبر الأطفال على قتل الآخرين لأسلمة العالم .

- والكاهن والواعظ السويدي " رينار سوغارد " وصف في جريدة " أفتون بلادت " رسول الإسلام صلى الله عليه وسلم بأنه مرتبك للغاية ، ومزاوج ، ويحب النساء وخصوصاً الصغيرات منهن ؛ حيث تزوج بفتاة لم يتعد عمرها تسع سنوات .

- وصحيفة " مغازينات " النرويجية أعادت نشر 12 رسماً ساخراً للرسول صلى الله عليه وسلم بدعوى حرية التعبير، وذلك بعد أن نشرتها " يلاندز بوسطن ".

إذن الغرب يحرص على تنوع مصدر الإساءة ؛ فمرة تأتي من الفاتيكان ، وأخرى من السويد، وثالثة من الدنمارك . وهكذا تأتي السهام من أكثر من جانب ومن أكثر من دولة وجهة ، بهدف تفريق الجهود الإسلامية ومنع تجمعها على مصدر واحد وتشتيت قوتها، وحتى لا تحمل عاصمة واحدة أو جهة واحدة عبء المواجهة وحدها .

3- العناية الغربية ببعض الأقلام المهاجرة واستغلالها :

استغل الغرب بعض الأقلام الانهزامية المغمورة اللاهثة وراء الثروة والشهرة ، وأعطاها ما تريد في سبيل أن تغمس أقلامها في تلك المؤامرة وتسلط سهام نقدها المسمومة على الإسلام والمسلمين ، ووجدت بالفعل بغيتها في فئة ضالة لم يكن أولها المفتون سلمان رشدي صاحب كتاب " آيات شيطانية " ، ولن تكن الكاتبة البنجالية المولد المرتدة عن الإسلام (تسليمة نسرين) آخر هؤلاء الموتورين الباحثين عن السراب.

وإلى جانب هؤلاء ، يعنى الغرب ويبرز أولئك الذين فتنوا عن دينهم بالردة ، بل يسعى جاهداً ليفتح أمامهم المجال للطعن في الإسلام وتكوين الجمعيات والمنتديات المختصة بهذا الشأن ، ومن هؤلاء رئيس " جمعية المرتدين عن الإسلام في هولندا " إحسان جامعي ، الذي ارتد عن الإسلام بعد تفجيرات 11 سبتمير 2001م في الولايات المتحدة الأمريكية ، وأسس مع زميلته ليلى برادة ، وهي ناشطة في الحزب الليبرالي، " جمعية المرتدين عن الإسلام في هولندا " بدعم من اثنين من نقاد الإسلام المعروفين في هولندا ، وهما: رجل القانون (أفشين إليان) والفيلسوف (بول كليتور)

4- الاستمرارية في الإساءة :

الغرب يصر على الإساءة ويمضي فيها قدماً ، حتى لا تكاد تمر الأيام القلائل إلا وتحمل الرياح الغربية إساءة جديدة من جهة مغايرة ، ومع كل مرة يرفض الاعتذار عما بدر منه ويبررها بحرية التعبير المكفولة هناك ؛ والتي لا يعرف نظير لها في بلاد الغرب والمسلمين .

· الأهداف الغربية من تعمد الإساءة للمقدسات الإسلامية :

الغرب يهدف من وراء هذه المنهجية المنظمة في النيل من مقدسات المسلمين وعقائدهم إلى عدة أهداف ، منها:

1- جس نبض الشارع العربي والإسلامي :

الغرب يسعى لمعرفة حرارة التدين في الشارع المسلم والمصادر التي تقود إلى توهج هذه الحرارة، والعوامل التي تؤثر فيها، على نحو ما تفعل الدولة الصهيونية بالنسبة للمسجد الأقصى ؛ حيث تختبر نوايا المسلمين تجاه مخططاتها الرامية إلى تقويض المسجد المبارك ؛ وبناءً على ردود الأفعال ، تحدد إحداثيات أفعالها المقبلة .

2- جعل الإساءة إلى مقدسات المسلمين أمراً طبيعياً :

الغرب يعمل على امتصاص ردود الفعل الشعبية المندفعة عقب كل حادثة ، ثم يعاود الإساءة مرة أخرى ؛ حتى يتكون شعور داخلي لدى المسلمين بكون هذا الأمر طبيعياً ومتقبلاً، وهو ما قد يكون له التأثير في منزلة هذه المعتقدات والمقدسات لدى المسلمين على مرور الأجيال؛ فيتم " تذويب " معالم الدين رويداً حتى تظهر أجيال ممسوخة خجولة من هويتها وانتمائها الديني ، وتجري لاهثة وراء الغرب وقيمه الخاوية التي يستعلي بها.

3- تكوين رأي عام غربي مناهض للإسلام :

يسعى الغرب جاهداً لتكوين رأي عام معادٍ للإسلام والمسلمين ، من خلال المس المباشر بمقدسات الدين ، وإظهار الإسلام على أنه نموذج للرجعية والتخلف ، وأن دعاته همجيون لا يؤمنون بحرية الرأي والمعتقد .

والرأي عندي أن دافع الغرب في ذلك هو إجهاض أي توجه يقود الشعوب هناك لرؤية الإسلام بوجهه الحقيقي كما أنزله الله ، والخوف من " أسلمة القارة الأوروبية "، وهو الأمر الذي لم يعد خافياً على أحد حتى نطقت به أفواه الغرب أكثر من مرة ؛ منهم رئيس الحزب النصراني الاشتراكي والحليف الرئيس في الائتلاف الحاكم الألماني " إدموند شتوبير " ، وصرح به كذلك السكرتير الخاص للبابا بنديكت السادس " جيورج جاينزفاين " محذراً من ذوبان هوية القارة النصرانية.

فالغرب يسعى جدياً لفرز عالم اليوم بين " شرق إسلامي إرهابي مدمر " و "غرب نصراني ديمقراطي متحضر " . وتأجيج الصراعات مع الإسلام بالنيل منه ووضعه في موضع العدو هو سبيلهم إلى ذلك .

4- الخشية من ركائز النهضة الإسلامية :

الغرب يدرك جيداً أن نهضة هذه الأمة لن تكون إلا بالتمسك بمرجعيتها الدينية وهويتها الإسلامية، ومن ثم فهو يخشى من يقظة العملاق مرة أخرى ، وهو ما قد يقوض أحلامه في سيادة الكون ، وخاصة مع التآكل الحادث في حضارته المادية التي أشقت الإنسانية ؛ التي باتت متطلعة للمنقذ من هذا الضلال والشقاء المزخرف بمادية طاغية استعبدت الإنسان الغربي وأنهكت قواه الروحية .

وبإدراك الغرب لتلك الحقيقة راح يقابلها بمحاولة القضاء على مرتكزات النهضة الإسلامية المتمثلة في ثوابت الأمة ومقدساتها؛ خشية القادم الذي يزيله من كرسي الريادة ويضعه حيث مكانه الصحيح .

5- وضع الإسلام في صورة متدنية عن بقية المعتقدات :

لا شك أن هذه الإساءة للمعتقدات الإسلامية يقابلها تشدد مفرط في أية إشارة أو عبارة تشكك فيما ترى الدولة الصهيونية أنه من مقتضيات وجودها أو تاريخها. ومن ذلك الحديث عن " الهولوكست " ، الذي كان السجن والملاحقة القضائية جزاء من تعرض له بالإنكار أو حتى مجرد التشكيك مهما علت منزلته وعلت قامته في العلم ، وشيء من ذلك أيضاً لمن تعرض للنصرانية أو المسيح ، عليه السلام .

من هنا ندرك رغبة الغرب في إخراج الإسلام من بين المقدسات ، وجعله في منزلة متدنية عن بقية الأديان ، في محاولة لتهميش أتباعه وجعلهم خارج السياق التاريخي والحضاري كغيرهم من أصحاب المعتقدات المنكفئة على نفسها.

· إستراتيجية مواجهة الإساءة الغربية للمقدسات الإسلامية :

تنطلق إستراتيجية المقاومة برأينا من محورين أساسيين ، أولهما : تقييم المواجهة الحالية ، والثاني: وضع المعالم الأولية للإستراتيجية المقترحة على قاعدة من المنطلقات الأساسية المعينة على فهم القضية في إطارها الصحيح .

أولاً: تقييم المواجهة الحالية :

لاشك أن المواجهة الحالية للإساءة إلى المقدسات الإسلامية قد نجحت في جانب تفعيل الحراك الشعبي ، واستثماره في الضغط على بعض المؤسسات الرسمية وتفعيلها ، وإرسال رسالة قوية للغرب عن طريق المقاطعة الاقتصادية بإمكان إحداث رد فعل قوي على تلك الممارسات من شأنه أن يضر الغرب في اقتصادياته .

ولكن اشتملت المواجهة على مجمعة من السلبيات ، لعل أبرزها:

1- خروج بعض التيارات والأفراد عن الحدود الشرعية ، لتحقيق أجندة خاصة من خلال بعض أعمال العنف التي لا تفيد القضية المحورية من قريب أو بعيد ، بل يستثمرها الخصم بصورة مضادة .

2- لم تدر الأزمة بشكل متناغم ومنظم ينسق الجهود ويوحد الأهداف؛ فكانت أقرب إلى الصورة العشوائية الارتجالية .

3- انفضاض وانتهاء فاعليات المواجهة بعد برهة زمنية دون أن تتمكن من ردع الغرب عن القيام مجدداً بهذه الإساءة ، وانصرف المجموع عن الاهتمام بالموضوع ، حتى تلك المواقع الإلكترونية التي انطلقت متحمسة للقضية أصابها الفتور والوهن .

· المواجهة المقترحة :

قبل عرض المعالم الأولية للمواجهة المقترحة ، كان لزاماً أن نحدد المنطلقات التي من رحمها خرجت تلك الإستراتيجية

أولاً: منطلقات إستراتيجية المقاومة :

1- التقيد بضوابط الشارع الإسلامي :

نقصد به : ضرورة التقيد بضوابط الشرع في رد الاعتداء ؛ حيث لا يجوز مقابلة الإساءة بما لا يجيزه الشرع الحنيف ، لما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم : " كل عمل ليس عليه أمرنا فهو رد " ، فكل عمل وقع بخلاف أمر الله – تعالى – وأمر رسوله صلى الله عليه وسلم فهو مردود على صاحبه .

ومن ذلك أيضاً : أن تكون النية متجهة للذب عن المقدسات والمعتقدات دون شوائب أخرى قد تنزع القدسية عن هذا العمل .

خلاصة القول في هذا الضابط أنه لن يقبل من الأعمال إلا ما كان موافقاً للشرع، خالصاً لوجه الله تعالى .

2- إدراك البعد العقدي الباعث للإساءة :

نقصد بذلك ؛ اليقين بأن هدف الغرب من وراء الإساءات المتكررة للمقدسات الإسلامية دينية عقدية ، وليست سياسية وحسب .

وقد جاءت شواهد القرآن لتدل على ذلك ، ومنها: قول الله – تعالى - : (( إن يثقفوكم يكونوا لكم أعداءً ويبسطوا إليكم أيديهم وألسنتهم بالسوء وودوا لو تكفرون )) [الممتحنة: 2].

فالهدف الغربي هو صرف المسلمين عن دينهم ومصدر قوتهم ، ومنع الإسلام من التمدد والتمكن من الغرب عموماً ومن القارة الأوروبية على وجه الخصوص ، والتي يريدونها نصرانية خالصة ، حتى طالب المرشح الرئاسي الجمهوري الأمريكي (توم تانكيريدو) دول القارة بالعمل على ترحيل العشرين مليون مسلم الذين يعيشون داخل أراضيها ؛ لتحافظ أوروبا على هويتها النصرانية دون نزاع ، وتقلل من الأخطار المحدقة على أمن الولايات المتحدة .

لذا ، فإن إستراتيجية المقاومة يجب أن تركز برأينا على الجانب العقدي في المواجهة ، ويكون هو ركيزتها ومنطلقها للتعامل مع الأزمة .

3- الإساءة الحالية امتداد لمنهج عدواني سابق :

يجب أن يكون راسخاً في الأذهان أن منهج الغرب في تعمد الإساءة والرغبة في القضاء على الإسلام هو امتداد لنهج جاهلي سابق ؛ فمنذ بزوغ الرسالة المحمدية بدأت الإساءة التي سجلها القرآن في عدة مواضع ، منها: قول الحق – تبارك وتعالى – (( وعجبوا أن جاءهم منذر منهم وقال الكافرون هذا ساحر كذاب)) [ص : 4]. وقوله : (( إنهم كانوا إذا قيل لهم لا إله إلا الله يستكبرون . ويقولون أئنا لتاركوا آلهتنا لشاعر مجنون )) [الصافات : 35-36].

وقوله : (( بل قالوا أضغاث أحلام بل افتراه بل هو شاعر فليأتنا بآية كما أرسل الأولون )) [الأنبياء : 5].

فهذه الإساءة استمرار للجاهلية القديمة في تصديها للدعوة الإسلامية ، ومحاولة لوأدها ومنع انتشارها.

وقد فند القرآن تلك المزاعم بصورة قريبة من البيئة التي انطلقت منها، ودحض آراء المشككين بأقوى حجة وبيان ، وهو برأينا يعطي تصوراً ضرورياً عن نوعية الخطاب الذي نواجه به الأزمة وكونه خطاباً يناسب البيئة الغربية التي تنطلق منها هذه الإساءة المتتالية .

4- استمرار المحاولة الغربية للوصول إلى الغاية :

 

كما سبق وأوضحنا ؛ فالغرب ينطلق من قناعات عقدية في محاولته الإساءة للمقدسات والعقائد الإسلامية ، وعلى الرغم من قناعتنا بأهمية المواجهة الشاملة لهذه التجاوزات ؛ غير أننا على يقين كذلك بأن الغرب سيستمر في محاولة النيل من هذا الدين والتصدي له بشتى السبل والوسائل . وتأكيداً لهذا النهج ، يقول الحق – تبارك وتعالى - : (( ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم )) [البقرة: 120].

فلن يتحقق الرضا الغربي إلا بانسلاخ المؤمنين عن دينهم وانصرافهم عنه بالكلية حتى يتبعوا ملتهم وعقيدتهم ، ومن ثم فإن إستراتيجية المواجهة لابد أن تتميز هي الأخرى بالاستمرارية والشمول لمواجهة العدوان الغربي المستمر .

نخلص مما سبق إلى أن الإستراتيجية الضرورية للمواجهة ينبغي أن تتحلى بسمات أساسية ، منها :

1- التقيد بضوابط الشرع الحنيف .

2- الارتكاز على قاعدة عقدية نقية .

3- مناسبة الخطاب والآليات للبيئة الموجهة إليها.

4- الاستمرارية والشمول .

5- التناغم والتكامل بين كافة الأطراف النشطة في مجال المواجهة .

ثانياً: الإستراتيجية المقترحة :

تتمثل إستراتيجية المواجهة المقترحة في ثلاثة محاور رئيسة ، هي:

1- مواجهة علاجية :

ونقصد بها: المعالجة التي نواجه بها الإساءة المتكررة كرد فعل أولي، وتتمثل في جانبين اثنين :

الأول: تفعيل البعد الشعبي المتحمس المستنكر لهذه الإساءات ، مع الدعوة مباشرة لتفعيل سلاح المقاطعة الاقتصادية ضد الجهات المسيئة .

الثاني : النقض العقلاني القريب من العقلية الغربية لهذه الإساءات ، وتفنيد مزاعم حرية التعبير التي يتدثر بها بعضهم ويتخذها مطيةً للتجاوز والإساءة في حق المقدسات .

2- مواجهة وقائية :

ونقصد بها ؛ الوسائل الممكنة التي يمكن اللجوء إليها لتقليل حجم الإساءة واحتواء وتقليل فاعليتها عندما تقع ، ومنها

أ – التعريف بالإسلام ومقدساته ، وخاصة النبي محمد صلى الله عليه وسلم ، من خلال عقد الندوات والمؤتمرات والمحاضرات وورش العمل ، والفضائيات التي توجه للغرب مباشرة ؛ تعريفاً بالإسلام ومواجهة لما يدور حوله في العقل الغربي ، مع العناية بترجمة وإصدار الكتب التي تخاطب العقلية الغربية وتزيل ما علق بها من أوهام عن هذا الدين وشرائعه .

ب – قد يساهم في تلك الإستراتيجية التنسيق المستمر بين المنظمات العاملة في مجال نصرة الرسول صلى الله عليه وسلم ، بحيث تتكامل أدوارها وتتناغم فيما بينها بدلاً من التضارب والتناقض في مجالات محددة وترك مجالات أخرى شاغرة.

ج – تقوية الجاليات المسلمة في الغرب وتوحيد صفها ، بحيث يمكنها القيام بأدوار أكثر فاعلية في صد هذه الهجمة ؛ لكونهم أكثر قرباً وفهماً للعقلية الغربية ومنطلقاتها وأجدر من يتعامل معها ويواجه سيل الإساءات .

3- مواجهة إستراتيجية :

ونقصد بها : التحرك على مستوى زمني بعيد نسبياً ، وذلك على محورين :

الأول : تفعيل المستوى الدولي لسن قوانين وتشريعات تمنع الإساءة إلى الأديان جميعها ، وذلك بالضغط المستمر على المؤسسات الرسمية الداخلية لتبني هذا المشروع دولياً .

الثاني : محاولة الخروج من مرحلة الدفاع العاطفي إلى الهجوم الفكري المنظم على القيم الغربية وتفنيدها مقارنة بالقيم الإسلامية ؛ لإعلاء شأن هذه القيم وبيان تخلف القيم الغربية عنها .

وفي الختام ، لا يسعنا إلا القول ؛ إن مواجهة الإساءة للمعتقدات الإسلامية تحتاج إلى دأب وصبر طويل ، وتكاتف الجبهات المختلفة التي تستلهم في مواجهتها روح الجهاد والدفع عن الدين الخاتم الذي فيه خلاص البشرية من أسقامها وأمراضها، واضعةً نصب عينها أنه لن يكون النصر إلا بالصبر والمصابرة التي تعين على بلوغ المآرب والمراد ، وبالإخلاص الذي يترفع عن أجندات خاصة وأهداف جانبية تضيع في ثناياها القضية المحورية.