الحكم الشرعي و التربية أيهما يتبع الآخر؟

بسم الله الرحمن الرحيم
إن عدم فهم العلاقات بين الأوصاف الشرعية ، يؤدي حتما إلى إضطراب في الحركة و يجعلها تنحرف عن المسار المطلوب الوصول إليه ، و أري أن المشكلة دائما تكمن أننا لا نحاكم الجزئيات إلى كلياتها ، فالكليات توضح جيدا و بطرق عرض مختلفة في المحافل العلمية و الدورات الشرعية ، و حينما تنزل إلى مجال العمل بها ، تشعر بالإنفصام ،و كأن القوم ما درسوا
و يظهر هذا بقوة في مجال العاملين في الحركة الإسلامية ، حيث ان كل فصيل أخذ طريقا غير الآخر للوصول إلى الهدف ، حتى دأب المحللون على تصنيف هذه الحركات ما بين تيارات سلفية و تيارات جهادية و تيارات قطبية و نحو ذلك
و في وسط هذه التصنيفات و الإصدارات الصادرة من هذه الحركات ، لا يتحدد التأصيل الشرعي للمرحلة لغلبة الجانب التربوي في الأطروحات على وضوح الحكم الشرعي المناسب للمرحلة الذي نفهم به الفتوى الخاصة بالمرحلة ، مما أدى بمرور الوقت أن يظهر و كأن عدم التربية مانع من تطبيق الحكم الشرعي ، بل أدى عدم الوضوح الشرعي للأطروحات من حيث طبيعة العلاقة بين الحركات الإسلامية ، إلى جعل الخلاف المعتبر في السلوك بينها بمنزلة الخلاف الغير معتبر .
و هنا أريد أن أوضح أن التربية تتبع الحكم الشرعي ، فهى تمثل الجانب العملي للحكم الشرعي و تبرز مقاصده الشرعية ، و إن أردت أن أكون أكثر دقة أقول أنها تتبع الفتوى الشرعية الخاصة بالواقع .
و في الحقيقة لا بد أن نوضح أن كثير من الحركات الإسلامية لم يوضح لنا ما هى الفتوى الشرعية التي تحكم تحركاته في واقعه ، لنعرف و نقيم هل هو بالفعل متسق مع هذه الفتوى أم لا
فمثلا : لو قلنا ما الفتوى الشرعية التى اجتمعت عليها الدعوة السلفية ، أو أنصار السنة ، الأخوان المسلمون ..
قد يقول قائل : اجتمعوا على وجوب الدعوة إلى الله تعالى.
أقول : هذا كلام عام يقوله الجميع ، و يظهر الإختلاف في المحتوى الدعوي ، فهل نستيطع أن نقول ان هذا الإختلاف في المحتوى يمثل الفتوى لكل من هذه الحركات ، و لكن ما هي الصياغة الشرعية لهذه الفتوى ، و هل هذا الخلاف يقتضي أن تفترق هذه الحركات بطريقة الإختلاف غير المعتبر.
الجواب :
أولا : التربية وصف غير منضبط ، و الحكم الشرعي يتعلق به الوصف المنضبط.
ثانيا : القاعدة الأصولية تقول :
لابد للشرطية و السببة و المانعية من دليل .
و هنا ننظر إلى أمرين :
الأول : عدم صلاحية التربية كوصف و ضعي يتعلق به الحكم
لأن الأسباب و الشروط و الموانع ، لابد أن تكون :
وصف ظاهر منضبط
و التربية وصف غير منضبط
ثانيا : عدم و جود الدليل على شرطية التربية لتطبيق الحكم
نعم التربية مطلوبة ، و لكنها ليست وصفا مؤثر في الحكم إذا وجدت أسبابه و شروطه الفقهية و انتفت موانعه .
قالحكم الشرعي إذا تحققت و أسبابه توافرت شروطه و انتفت موانعه و جب تطبيقه سواء وجدت تربويات هذا الحكم أم لم توجد
وبتنزيل هذا على الواقع نجد أن الأمة منذ سقوط الخلافة و حتى الأن تتعرض لأبشع المؤامرات في محو معالم دينها و الإضهطاد و التنكيل و الإبادة الممنهجة ، و الحال في الشأن أوضح من الشمس في رابعة النهار مما يستوجب الفتاوى الشرعية المناسبة للتصدى لهذه الهجمة الشرسة على المسلمين في دينهم و أنفسهم و أعراضهم و أموالهم و أراضيهم ، و التي تستدعي أن تتجيش الأمة صفا واحدا أمام الأمم التى تكالبت علينا من كل حدب و صوب ، فهل المناسب لهذا الحال أن نؤصل لتصورات تدعو إلى التربية الانعزالية و تصفية النفس و تترك العدو الصائل يصول و يجول في نفوس و بيوت و بلاد المسلمين حتى نجح في أن يخرج من صفوف المسلمين من يقاتل و يحارب الإسلام و المسلمين بالوكالة ، فكل تربية تدعو إلى الركون و ليس إلى لمقاومة فهى نوع من الخيانة لأمة يثخن العدو في مستضعفيها من الرجال و النساء و الأطفال يوميا ،
نعم للتربية الجهادية التى تحقق مقاصد فتوى الواقع و هي وجوب جهاد العدو الصائل ، و لا للتربية التى تمنع تطبيق هذا الحكم الشرعي المتعلق بواقع المستضعفين من المسلمين في كل مكان ، لأن هذه التربية المزعومة لا يوجد في شرعنا على أنها من موانع تطبيق الحكم الشرعي في الواقع المناسب له بتوافر شروطه و انتفاء موانعه .
- قرأت 145 مرة