غرباء .. على الحق ظاهرين

ناصر محمد أبو سعدة
فى ظل هذا التسارع الرهيب فى وسائل الإضلال والإلهاء والفتنة وتزيين الدنيا، وتبجح الباطل وانتشار الشر، وصناعة الفقر، وابتكار أشنع الطرق والأدوات لفتنة الناس عن دينهم، وإرهابهم وتغييب وعيهم، وتزييف هويتهم، يحتار كثير من الناس أى طريق يسلكون لعودة الإسلام ليحكم ويسود، لكن للأسف معظمهم تفرقت بهم السبل، وسلكوا طرقا غير مستقيمة وغير صحيحة، ووقعوا فى علل وأمراض، وعوائق وعلائق حالت بينهم وبين غايتهم، وربما أفسدت من حيث أرادت الإصلاح.

الحمد لله ، والصلاة والسلام على رسول الله.

فى ظل هذا التسارع الرهيب فى وسائل الإضلال والإلهاء والفتنة وتزيين الدنيا، وتبجح الباطل وانتشار الشر، وصناعة الفقر، وابتكار أشنع الطرق والأدوات لفتنة الناس عن دينهم، وإرهابهم وتغييب وعيهم، وتزييف هويتهم، يحتار كثير من الناس أى طريق يسلكون لعودة الإسلام ليحكم ويسود، لكن للأسف معظمهم تفرقت بهم السبل، وسلكوا طرقا غير مستقيمة وغير صحيحة، ووقعوا فى علل وأمراض، وعوائق وعلائق حالت بينهم وبين غايتهم، وربما أفسدت من حيث أرادت الإصلاح.    

وبمكر الليل والنهار والتضييق على أهل العلم، وفتح المجال لانتشار الأفكار العلمانية واللبرالية، وتلبيس الحق بالباطل، والسخرية من الحق وأهله، والاحتفاء بالباطل وأهله، أصبح الإسلام غريبا بين أهله.

قَالَ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {بَدَأَ الْإِسْلَامُ غَرِيبًا وَسَيَعُودُ غَرِيبًا كَمَا بَدَأَ فَطُوبَى لِلْغُرَبَاءِ} صحيح مسلم.

ويا لسعادة من يتمسك بالإسلام وهدى القرآن فى غربته وطوبى له.

" وَلَا يَقْتَضِي هَذَا أَنَّهُ إذَا صَارَ غَرِيبًا أَنَّ الْمُتَمَسِّكَ بِهِ يَكُونُ فِي شَرٍّ بَلْ هُوَ أَسْعَدُ النَّاسِ كَمَا قَالَ فِي تَمَامِ الْحَدِيثِ {فَطُوبَى لِلْغُرَبَاءِ} . و " طُوبَى " مِنْ الطِّيبِ قَالَ تَعَالَى {طُوبَى لَهُمْ وَحُسْنُ مَآبٍ} فَإِنَّهُ يَكُونُ مِنْ جِنْسِ السَّابِقِينَ الْأَوَّلِينَ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ لِمَا كَانَ غَرِيبًا. وَهُمْ أَسْعَدُ النَّاسِ. أَمَّا فِي الْآخِرَةِ فَهُمْ أَعْلَى النَّاسِ دَرَجَةً بَعْدَ الْأَنْبِيَاءِ عَلَيْهِمْ السَّلَامُ. وَأَمَّا فِي الدُّنْيَا فَقَدْ قَالَ تَعَالَى {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللَّهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} أَيْ أَنَّ اللَّهَ حَسْبُك وَحَسْبُ مُتَّبِعِك. وَقَالَ تَعَالَى {إنَّ وَلِيِّيَ اللَّهُ الَّذِي نَزَّلَ الْكِتَابَ وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ} وَقَالَ تَعَالَى {أَلَيْسَاللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ} وَقَالَ {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا} {وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ} . فَالْمُسْلِمُ الْمُتَّبِعُ لِلرَّسُولِ: اللَّهُ تَعَالَى حَسْبُهُ وَكَافِيهِ وَهُوَ وَلِيُّهُ حَيْثُ كَانَ وَمَتَى كَانَ. وَلِهَذَا يُوجَدُ الْمُسْلِمُونَ الْمُتَمَسِّكُونَ بِالْإِسْلَامِ فِي بِلَادِ الْكُفْرِ لَهُمْ السَّعَادَةُ كُلَّمَا كَانُوا أَتَمَّ تَمَسُّكًا بِالْإِسْلَامِ فَإِنْ دَخَلَ عَلَيْهِمْ شَرٌّ كَانَ بِذُنُوبِهِمْ؛ حَتَّى إنَّ الْمُشْرِكِينَ وَأَهْلَ الْكِتَابِ إذَا رَأَوْا الْمُسْلِمَ الْقَائِمَ بِالْإِسْلَامِ عَظَّمُوهُ وَأَكْرَمُوهُ وَأَعْفَوْهُ مِنْ الْأَعْمَالِ الَّتِي يَسْتَعْمِلُونَ بِهَا الْمُنْتَسِبِينَ إلَى ظَاهِرِ الْإِسْلَامِ مِنْ غَيْرِ عَمَلٍ بِحَقِيقَتِهِ لَمْ يُكْرِمْ. وَكَذَلِكَ كَانَ الْمُسْلِمُونَ فِي أَوَّلِ الْإِسْلَامِ وَفِي كُلِّ وَقْتٍ. فَإِنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يَحْصُلَ لِلنَّاسِ فِي الدُّنْيَا شَرٌّ وَلِلَّهِ عَلَى عِبَادِهِ نِعَمٌ لَكِنْ الشَّرُّ الَّذِي يُصِيبُ الْمُسْلِمَ أَقَلُّ وَالنِّعَمُ الَّتِي تَصِلُ إلَيْهِ أَكْثَرُ. فَكَانَ الْمُسْلِمُونَ فِي أَوَّلِ الْإِسْلَامِ وَإِنْ اُبْتُلُوا بِأَذَى الْكُفَّارِ وَالْخُرُوجِ مِنْ الدِّيَارِ فَاَلَّذِي حَصَلَ لِلْكُفَّارِ مِنْ الْهَلَاكِ كَانَ أَعْظَمَ بِكَثِيرِ وَاَلَّذِي كَانَ يَحْصُلُ لِلْكُفَّارِ مِنْ عِزٍّ أَوْ مَالٍ كَانَ يَحْصُلُ لِلْمُسْلِمِينَ أَكْثَرُ مِنْهُ حَتَّى مِنْ الْأَجَانِبِ.فَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَعَ مَا كَانَ الْمُشْرِكُونَ يَسْعَوْنَ فِي أَذَاهُ بِكُلِّ طَرِيقٍ - كَانَ اللَّهُ يَدْفَعُ عَنْهُ وَيُعِزُّهُ وَيَمْنَعُهُ وَيَنْصُرُهُ مِنْ حَيْثُ كَانَ أَعَزَّ قُرَيْشٍ مَا مِنْهُمْ إلَّا مَنْ كَانَ يَحْصُلُ لَهُ مَنْ يُؤْذِيه وَيُهِينُهُ مَنْ لَا يُمْكِنُهُ دَفْعُهُ إذْ لِكُلِّ كَبِيرٍ كَبِيرٌ يُنَاظِرُهُ ويناويه وَيُعَادِيهِ. وَهَذِهِ حَالُ مَنْ لَمْ يَتَّبِعْ الْإِسْلَامَ - يَخَافُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا وَيَرْجُو بَعْضُهُمْ بَعْضًا. وَأَتْبَاعُهُ الَّذِينَ هَاجَرُوا إلَى الْحَبَشَةِ أَكْرَمَهُمْ مَلِكُ الْحَبَشَةِ وَأَعَزَّهُمْ غَايَةَ الْإِكْرَامِ وَالْعِزِّ وَاَلَّذِينَ هَاجَرُوا إلَى الْمَدِينَةِ فَكَانُوا أَكْرَمَ وَأَعَزَّ. وَاَلَّذِي كَانَ يَحْصُلُ لَهُمْ مِنْ أَذَى الدُّنْيَا كَانُوا يُعَوَّضُونَ عَنْهُ عَاجِلًا مِنْ الْإِيمَانِ وَحَلَاوَتِهِ وَلَذَّتِهِ مَا يَحْتَمِلُونَ بِهِ ذَلِكَ الْأَذَى. وَكَانَ أَعْدَاؤُهُمْ يَحْصُلُ لَهُمْ مِنْ الْأَذَى وَالشَّرِّ أَضْعَافُ ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ عِوَضٍ لَا آجِلًا وَلَا عَاجِلًا إذْ كَانُوا مُعَاقِبِينَ بِذُنُوبِهِمْ. وَكَانَ الْمُؤْمِنُونَ مُمْتَحِنِينَ لِيَخْلُصَ إيمَانُهُمْ وَتُكَفَّرَ سَيِّئَاتُهُمْ. وَذَلِكَ أَنَّ الْمُؤْمِنَ يَعْمَلُ لِلَّهِ فَإِنْ أُوذِيَ احْتَسَبَ أَذَاهُ عَلَى اللَّهِ وَإِنْ بَذَلَ سَعْيًا أَوْ مَالًا بَذَلَهُ لِلَّهِ فَاحْتَسَبَ أَجْرَهُ عَلَى اللَّهِ.

( شيخ الإسلام بن تيمية - مجموع الفتاوى 18/293)

قال ابن عباس رضي الله عنهما:تكفّل الله لمن قرأ القرآن وعمل بما فيه أن لا يضل في الدنيا، ولا يشقى في الآخرة، ثم قرأ هذه الآية ) فَإِمَّا يَأتِيَنَّكُم مِنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلاَ يَضِلُّ وَلاَ يَشْقَى ). ( شيخ الإسلام بن تيمية - مجموع الفتاوى 1/84)

وفى هذه الغربة التى نحن فيها ليس هناك أقرب ولا أثبت ولا أصح طريق من تعلم القرآن والعمل به .. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " خيركم من تعلم القرآن وعلمه"صحيح البخارى.

وليس تعلمه هنا حفظه وفقط بل فهمه وتدبره وتمثله فى الحياة كما كان الرسول صلى الله عليه وسلم قرآنا يمشى على الأرض، فهذا القرآن هو الذى أخرج خير أمة للناس وهو الذى صلحت به أول هذه الأمة ولن يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها كما قال مالك بن أنس رحمه الله.
وهو الذى به تصلح القلوب والنفوس، وهو الهدى والنور والفرقان والصراط المستقيم.
وهو الذى ربى الله به أول هذه الأمة، وهو الذى يربي الربانيين، وبه تغيير النفس لتغيير الواقع.
وبه حل المشكلات والمعضلات، وبه القصص عبرة وعظه ومنهج للمعتبرين.

وما علينا وقت الاختلاف إلا أن نتمسك به وبسنة النبي صلى الله عليه وسلم فبه ينتهى الخلاف والشقاق وتتوحد الصفوف.

وَلِهَذَا قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {مَنْ عَمِلَ عَمَلًا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ} " أَخْرَجَاهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ، وَقَالَ: صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَدِيثِ العرباض بْنِ سَارِيَةَ الَّذِي رَوَاهُ أَهْلُ السُّنَنِ وَصَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ {أَنَّهُ مَنْ يَعِشْ مِنْكُمْ بَعْدِي فَسَيَرَى اخْتِلَافًا كَثِيرًا فَعَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ الْمَهْدِيِّينَ مِنْ بَعْدِي تَمَسَّكُوا بِهَا، وَعَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ، وَإِيَّاكُمْ وَمُحْدَثَاتِ الْأُمُورِ فَإِنَّ كُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ} "

وَفِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ الَّذِي رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَغَيْرُهُ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ فِي خُطْبَتِهِ {خَيْرُ الْكَلَامِ كَلَامُ اللَّهِ وَخَيْرُ الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ وَشَرُّ الْأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا وَكُلُّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ}

" النُّفُوسُ أَحْوَجُ إلَى مَعْرِفَةِ مَا جَاءَ بِهِ وَاتِّبَاعِهِ مِنْهَا إلَى الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ فَإِنَّ هَذَا إذَا فَاتَ حَصَلَ الْمَوْتُ فِي الدُّنْيَا. وَذَاكَ إذَا فَاتَ حَصَلَ الْعَذَابُ. فَحَقَّ عَلَى كُلِّ أَحَدٍ بَذْلُ جُهْدِهِ وَاسْتِطَاعَتِهِ فِي مَعْرِفَةِ مَا جَاءَ بِهِ وَطَاعَتِهِ إذْهَذَا طَرِيقُ النَّجَاةِ مِنْ الْعَذَابِ الْأَلِيمِ وَالسَّعَادَةِ فِي دَارِ النَّعِيمِ. وَالطَّرِيقُ إلَى ذَلِكَ الرِّوَايَةُ وَالنَّقْلُ. إذْ لَا يَكْفِي مِنْ ذَلِكَ مُجَرَّدُ الْعَقْلِ. بَلْ كَمَا أَنَّ نُورَ الْعَيْنِ لَا يُرَى إلَّا مَعَ ظُهُورِ نُورٍ قُدَّامَهُ فَكَذَلِكَ نُورُ الْعَقْلِ لَا يَهْتَدِي إلَّا إذَا طَلَعَتْ عَلَيْهِ شَمْسُ الرِّسَالَةِ." ( شيخ الإسلام بن تيمية - مجموع الفتاوى 1/6).

وما حال الأمة التى وصلت إليه الآن إلا لبعدها عن الإسلام وعدم تطبيق شرع الرحمن

قال عمر رضي الله عنه : نحن قوم أعزنا الله بالإسلام ومهما ابتغينا العزة في غيره أذلنا الله.

المشكلة الكبرى أن الجميع يدعي العودة إلى القرآن، وما أكثره من إدعاء بلا حقيقة. ولكن على الحقيقة تجد ندرة فيمن حقق ذلك، وثبت عليه، وأراد الأمر الأول ما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضوان الله عليهم، بلا غلو ولا تمييع، بلا إفراط ولا تفريط، بعلم وعمل وتضحية بنفسوبجهد ووقت ومال، محاولين جهد أنفسهم أن يكونوا من الذين قال عنهم الرسول صلى الله عليه وسلم : "لَا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي ظَاهِرِينَ عَلَى الْحَقِّ لَا يَضُرُّهُمْ مَنْ خَذَلَهُمْ حَتَّى يَأْتِيَ أَمْرُ اللَّهِ وَهُمْ كَذَلِكَ". صحيح مسلم.

مبتعدين عن الأمراض والعلل التى تسود واقع العمل الإسلامي من تعصب وتحزب، ومن تقديس للأشخاص، وعدم فهم الأمور على حقيقتها بل رؤية صورتها فقط دون الوصول للحقيقة، ومن خلل التفكير وتقديم المؤخر وتأخير المقدم، والتمسك بمصالح موهومة وغير شرعية، وقله فقه وفهم للنصوص وتنزيلها على غير محلها ومناطها، ومن قياس فاسد وتأويل غير صحيح، واجتهاد مشوب بهوى، ومن جدل عقيم ومراء مذموم، ومن فقدان للتوازن فتطغى مسائل على مسائل أخري وتكبر مسائل صغرى وتصغر مسائل كبرى، بلا اعتدال ولا توسط، ومن اهتمام كبير بمسائل فكرية نظرية بلا عمل وبلا تقرب من أعمال قلب وبدن، ومن إهمال لعلوم كثيرة مفيدة جدا سواء كانت شرعية أو علمية أو اجتماعية، وغيرها كثير من العوائق والعلائق التى تبعد العبد عن هدفه ومبتغاه وهو يظن أنه يقترب ويقترب وما هو إلا يبتعد ويبتعد دون أن يدري.

وما هى إلا نبذه يسيرة وليس استقصاء لعلل الواقع الإسلامي وما هى إلا نماذج قليلة مما رأينا نذكرها لنتفاداها، فقد رأينا من يتودد للعلمانيين ويظن أنه يخدعهم وهو المخدوع، يميع الدين بحجج واهية ويتنازل عن ثوابت بأوهام لا أساس لها، يستعمله الطاغية ويأخذ به شرعية ثم  يشوهه بالإعلام المجرم ويؤلب الناس عليه، وهو لا يتعلم من القصص القرآنى ولا يتعلم من التاريخ، ولا حتى من تاريخه هو مع الطواغيت، لأنه ابتعد كثيرا عن نشأته الأولى، وانطلق من الواقع يبحث عما يدعمه من القرآن أو السنة أو السيرة بأى وسيلة وبأى توجيه كان، ولو أنه توجه إلى القرآن ومنه انطلق إلى الواقع مغيرا له بالمنهج الرباني لكان خير له وللأمة جميعا.

ورأينا من يرى أنه فقط على الحق ودونه على الباطل ما لم يكن تحت رايته فإذا به يفتح رشاش التكفير والذخيرة على المجاهدين.

ورأينا من يتجه إلى الغلو مبتعدا عن الإرجاء، ومن يتجه إلى الإرجاء مبتعدا عن الغلو .. ظانين أنهم يبتعدون من بدعة إلى سنة وهم من بدعة إلى بدعة

ورأينا من يظن أنه وسط بين هذا وذاك وهو ليس كذلك، لأن التوسط عنده غير منضبط.

ورأينا التعالم والجرأة على العلماء الربانيين من سلفنا الصالح بإسم التجديد.

ووالله إن النصر بين أيدينا إذا عدنا إلى كتاب ربنا وانطلقنا منه علما وعملا.

وإننا لأقوى بكثير مما نظن، فقط نلتزم بكتاب ربنا حقا، والثمن الذى ندفعه الآن ونحن فى الطريق الخطأ سندفع أقل منه بكثير ونحن فى الطريق الصواب، مع النصر والتمكين وبأقصر طريق.

كل وقت نقضيه فى طريق آخر غير طريق القرآن، يؤخر النصر ويزيد الثمن المبذول.

لم يعد هناك مزيد وقت للتجربة، فالكفر والإجرام كشر عن أنيابه ويرى أن فرصته ذهبية والجو مهيأ ليعيد تجربة أتاتورك لعنه الله.

وإن لم نعالجة بضربة قوية، وبثبات وصمود تأخرنا سنين طويلة " ادخلوا عليهم الباب فإذا دخلتموه فإنكم غالبون وعلى الله فتوكلوا إن كنتم مؤمنين" (المائدة:23)

ليس استعجالا للنصر ولكن تقويم وتصحيح للطريق.

«وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ، فَصَبَرُوا عَلى ما كُذِّبُوا وَأُوذُوا حَتَّى أَتاهُمْ نَصْرُنا، وَلا مُبَدِّلَ لِكَلِماتِ اللَّهِ، وَلَقَدْ جاءَكَ مِنْ نَبَإِ الْمُرْسَلِينَ» ..

إن موكب الدعوة إلى الله موغل في القدم، ضارب في شعاب الزمن، ماض في الطريق اللاحب، ماض في الخط الواصب.. مستقيم الخطى، ثابت الأقدام. يعترض طريقه المجرمون من كل قبيل، ويقاومه التابعون من الضالين والمتبوعون، ويصيب الأذى من يصيب من الدعاة، وتسيل الدماء وتتمزق الأشلاء..

والموكب في طريقه لا ينحني ولا ينثني ولا ينكص ولا يحيد.. والعاقبة هي العاقبة، مهما طال الزمن ومهما طال الطريق.. إن نصر الله دائماً في نهاية الطريق:

«وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ، فَصَبَرُوا عَلى ما كُذِّبُوا وَأُوذُوا حَتَّى أَتاهُمْ نَصْرُنا، وَلا مُبَدِّلَ لِكَلِماتِ اللَّهِ، وَلَقَدْ جاءَكَ مِنْ نَبَإِ الْمُرْسَلِينَ» ..

كلمات يقولها الله- سبحانه- لرسوله- صلى الله عليه وسلم-.. كلمات للذكرى، وللتسرية وللمواساة، والتأسية.. وهي ترسم للدعاة إلى الله من بعد رسول الله- صلى الله عليه وسلم- طريقهم واضحاً، ودورهم محدداً، كما ترسم لهم متاعب الطريق وعقباته، ثم ما ينتظرهم بعد ذلك كله في نهاية الطريق ...

إنها تعلمهم أن سنة الله في الدعوات واحدة. كما أنها كذلك وحدة. وحدة لا تتجزأ.. دعوة تتلقاها الكثرة بالتكذيب، وتتلقى أصحابها بالأذى.. وصبر من الدعاة على التكذيب وصبر كذلك على الأذى..

وسنة تجري بالنصر في النهاية.. ولكنها تجيء في موعدها. لا يعجلها عن هذا الموعد أن الدعاة الأبرياء الطيبين المخلصين يتلقون الأذى والتكذيب، ولا أن المجرمين الضالين والمضلين يقدرون على أذى المخلصينالأبرياء الطيبين!" ( سيد قطب – فى ظلال القرآن 2/1077 )

وهى قصة واحدة تتكرر عبر الزمان والمكان " حقيقة الرسالة وهي واحدة. واعتراضات الجاهليين عليها وهي واحدة. وحقيقة نصر الله للمؤمنين وهي واحدة. وحقيقة استخلاف الله للصالحين وهي واحدة. وحقيقة الخيبة والخذلان للمتجبرين وهي واحدة." ( سيد قطب – فى ظلال القرآن  4/2079 ).