ترجمة الشيخ الفقيه المربي الرباني العالم محمد أديب كلكل رحمه الله

الدرر الشامية

الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده وبعد ..

قال تعالى : "من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا "

فقدت مدينة حماة بل فقدت سوريا وبلاد الشام كله اليوم الخميس الموافق 28/1/2016 م علمًا من أعلامها،ومنارة من مناراتها ،وهو فضيلة الشيخ المربي الفقيه بقية السلف الصالح التقي الخفي النقي العالم الرباني محمد أديب كلكل رحمه الله..

وهذه ترجمة مختصرة للشيخ رحمه الله ...

 وُلد رحمه الله في الثاني عشر من شهر أيلول عام 1934، في مدينة حماة، في حي الشرقية، في منطقة الحاضر. وفي نسب أسرته قولان:

الأول: وهو ما حدثته به والدته - رحمها الله - أنهم ينتسبون إلى البيت النبوي الشريف، وأن هذا النسب كان عند أحد أعمام والده - رحمهما الله تعالى. وقد فُقِدَ من عنده. 

والثاني: أنهم من عشيرة الموالي، لأن بني كلكل عشيرة من عشائر الموالي. وقد توفي والده وكان عمره أربع سنوات فقط، وهو الابن الوحيد الذي بقي حيًّا من إخوته الذين وُلدوا قبله وتوفوا جميعًا ذكورًا وإناثًا. 

وحين كانت أم الشيخ حبلى بالشيخ رأت في المنام شيخًا لا تعرفه قال لها: إنك ستلدين ذكرًا وسوف يعيش ويحيا، فاطمأنت لهذه الرؤيا واستبشرت خيرًا، ثم تمت الولادة ففرحت به فرحًا عظيمًا، وأيقنت بصدق الرؤيا، فغمرتها السعادة بمولده.

(اسمه المشتهر به)

حين أرادت أمه أن تسجله في دائرة السجل المدني المسمى «بالنفوس» - وكان أبوه مسافرًا - وكّلت امرأة من جيرانها لتقوم بذلك فسمّته تلك المرأة عبد الرزاق، ولم تخبر والدته بذلك، مع أن أمه - رحمها الله - أطلقت عليه اسم محمد ديب - وهو اسم جده واسم أخ له قد توفي - ولم تعلم أمه أن اسمه في السجل المدني صار عبد الرزاق، فبقي اسم محمد ديب مشهورًا، واسم عبد الرزاق منسيًّا مطويًّا حتى وقت تسجيله في الصف الأول الابتدائي علمت حينئذ أن اسمه في النفوس هو عبد الرزاق، لكن محمد ديب هو الذي انتشر واشتهر به.

(نشأته)

لم تك تعلم والدته أن هناك رحلة صعبة مع هذا المولود الجديد تنتظرها، فها هو والده - روّح الله روحه وأسعدها - توفي وعمر الشيخ أربع سنوات فقط، فكفلته أمه ترعاه وتحنو عليه، جاهدة أن تعوّضه حنان أبيه وعطفه، وما إن بلغ الرابعة من عمره حتى دفعت به إلى الشيخة (زهرة) زوجة الشيخ (عبد الرؤوف العبيسي) من أجل تعلّم القرآن الكريم كما هي العادة في ذلك الزمان، وبقي عند الشيخة زهرة حتى ختم القرآن كاملًا.

(منهجه في الحياة)

لقد كان الشيخ عفيف النفس عزيزًا، صبورًا شاكرًا لله تعالى، فكان يعتمد على نفسه في المعيشة متوكلًا على الله تعالى فتدرج في عديد من الأعمال ذات الصلة بالتجارة، وابتعد عن الوظائف الحكومية وجعل الشيخ ذلك جزءًا من منهج حياته، وهو دائم التكرار أنه - والحمد لله - قد سلك الطريق الصعب في هذه الحياة، قال: لو أردت بيع نفسي بعرض من الدنيا لبعتها منذ زمن بعيد، ولما رضيت بالقلة وشظف العيش وضيقه، لقد عُرضت علي وظائف كثيرة، ولكنها مشروطة ومقيدة فرفضتها ودستها حفاظًا على العزة والكرامة، ووفاء بما عاهدت الله عليه، وإن مع العسر يسرًا) لقد عُرض على الشيخ أعمال ووظائف حكومية وبإغراءات لكنه رفضها جميعًا، وآخرها منصب الإفتاء لمحافظة حماة لما عُرف عنه من الرسوخ في العلم والتقوى في الفتوى ومحبة الناس له وثقتها فيه، لكنه رفضها أيضًا.

 ومن أهم ما يذكر للشيخ رحمه الله صبره على الابتلاءات والعواصف التي هاجت على المدينة وبقاؤه فيها، فرغم العواصف الهوجاء التي نزلت بساحة حماة حيث هرع الناس للخارج طلبًا للمال، وحبًّا في الحصول على الثروة المالية، فقد ثبت الشيخ ثبوت الجبال الرواسي، وأكد مرات عديدة على لصوقه بهذه البلدة الطيبة، فاكتسب رضا الله ثم المكانة العالية.

(صفاته)

لله درّه، كريم مع فقره، وعزيز مع يُتْمه، عالي الهمة، قوي الشكيمة، موفور العزيمة، حاد الطبع إذا رأى منكرًا أو مناقشًا جاهلًا متعسفًا، لكنه متواضع مع إخوانه وطلابه، ليّن الجانب، يتجاوز عن السيئات، ويقيل العثرات، ويقابل بالإحسان الإساءات، آثر الخلوة وحب العزلة وقلة المخالطة، حتى عُرف بين الناس بذلك، عرفه أهل حيّه منذ صغره صدوقًا عفيفًا تقيًّا نقيًّا، وأدركه الناس الآن عالمًا عاملًا زاهدًا ورعًا، فهو مستودع أسرارهم، وحلاّل مشاكلهم، مفتي البلدة بلا منازع، عزّ نظيره، وقلّ مثيله، وما ذاك إلا لأخلاقه الفاضلة وشِيَمه الكريمة.

(شيوخــــه)

الشيخ توفيق الصباغ الشيرازي رحمه الله.

الشيخ عرابي بن خالد عدي المتوفى سنة 1955م في حماة - أسكنه الله فسيح جناته.

الشيخ زاكي الدندشي - أسبغ الله عليه ألطافه ورحماته - فقيه الحنفية في مدينة حماة.

الشيخ محمود الأحمد الشقفة - تغمده الله برحماته - وهو المعروف بالشيخ محمود الكبير تمييزًا له عن الشيخ محمود بن عبد الرحمن الشقفة - وهو الصغير - تردَّد الشيخ إلى حلقاته العلمية في جامع الأفندي في الحاضر.

الشيخ أحمد سليم المراد - أسبل الله على قبره شآبيب رحماته.

الشيخ عبد الرحمن السبسبي الرفاعي - برّد الله مضجعه وأحسن إليه - أخذ عنه الشيخ الطريقة الرفاعية.

الشيخ محمد منير لطفي - رحمه الله وأسكنه فسيح جناته .

الشيخ محمد الحامد - بَلَّ الله ثراه بوابل رحماته.

وغيرهم الكثير من المشايخ الأجلاء رحمهم الله .

(ملكته العلمية)

وهذه شرحها يطول لما يمتلكه الشيخ من سعة المعرفة في شتى أنواع العلوم الشرعية والعربية والكونية.

(مؤلفات الشيخ)

تنقسم إلى قسمين:

القسم الأول: مؤلفات تناول فيها موضوعات مخصوصة في فنون متنوعة وهي:

ـ تنبيه الفكر إلى حقيقة الذكر.

ـ الفقه المبسط في ثلاثة أجزاء.

ـ الأضحية والعقيقة وأحكام التذكية.

ـ إتحاف السائل بما ورد من المسائل في ثلاثة أجزاء.

ـ حكم الإسلام في النظر والعورة.

ـ الحج والعمرة.

ـ صون الإيمان من عثرات اللسان.

ـ قرة عين رسول الله صلى الله عليه وسلم.

ـ منتخب النفائس لأبناء المدارس.

10 ـ تطبيب المرأة وثمن علاجها.

11 ـ اعدلوا بين أولادكم.

12 ـ الأنيس في الوحدة وهو موسوعة معارف ضمنه اختياراته من قراءاته المتنوعة، يقع الكتاب في مجلدين.

القسم الثاني: مؤلفات ورسائل حققها الشيخ ونشرها بعد خدمتها بدراستها وهي:

ـ السهام الصائبة لأصحاب الدعاوى الكاذبة في الرد على مدعي الاجتهاد للشيخ يوسف النبهاني.

ـ حسن الشرعة في مشروعية صلاة الظهر إذا تعددت الجمعة للشيخ يوسف النبهاني.

ـ بداية السول في تفضيل الرسول صلى الله عليه وسلم للعز بن عبد السلام.

ـ لفتة الكبد إلى نصيحة الولد لابن الجوزي.

ـ رسالة أيها الولد والقواعد العشر للغزالي (ضمن كتاب واحد).

ـ الأدب في الدين والرسالة الوعظية ورسالة الطير (ضمن كتاب واحد).

(تلامذة الشيخ)

لقد كان للشيخ دور تعليمي كبير سواء في المدرسة المحمدية الشرعية أو في مساجد حماة ثم أخيرًا في مكتبه الذي التزمه يفتي ويعلم الناس ويدارس طلاب العلم ، إضافة لكتبه التي نشرها وإفاداته العلمية، ولذلك فطلابه كانوا كثرًا والحمد لله.

والشيخ  رحمه الله كانت له دار خاصة استأجرها ليعلم فيها طلابه وفق منهج علمي رسمه هو؛ اختار لهم كتبًا ودرجهم في التعليم فيها، وقد ثابر عنده على هذه الدروس مجموعة من الأفاضل تنوعت اهتماماتهم فيما بعد لكن يكتب لهم أنهم داوموا على الصلة بالشيخ حتى وفاته، ومن طلابه وتلامذته المختصين به طلاب علم تدرجوا في التعليم الشرعي، ورعاهم الشيخ، وكان رحمه الله يتابعهم حتى مراحلهم المتقدمة في الدراسات العلمية كالماجستير والدكتوراه ومن أهم تلامذته حفظهم الله:

1- الأستاذ غالب المصري: (ماجستير في اللغة الإنكليزية من جامعة البنجاب) أستاذ اللغة الإنجليزية في مدارس حماة، ومدرس مواد اللغة العربية والفقه والرياضيات، فضلًا عن اللغة الإنجليزية، لقد كان بحق موسوعة علمية، صاحب ذكاء واضح، شاعر وناثر أريب، وكاتب مفنن، وله العديد من المؤلفات باللغة الإنكليزية والعربية في العقيدة والفقه والتعريف بالإسلام.

2- الأستاذ الدكتور رياض حسن الخوام بروفيسور في اللغة العربية وعلومها، أستاذ جامعي معروف في جامعة أم القرى، وله الكثير من المؤلفات العلمية الرصينة والكتابات والمشاركات الماتعة، فضلًا عن أبحاثه العلمية المُحْكمة، وقد أشرف على عشرات الرسائل العلمية للماجستير والدكتوراه، وسرد أعماله يطول، وهو ممن تتلمذ على الشيخ قديمًا في الدار الخاصة وكان له حظوة ومحبة لدى الشيخ.

3- الدكتور مرهف بن عبد الجبار سقا: وهو رجل نحسبه نشأ في طاعة الله، وترعرع محبًّا للعلم وأهله، عرفه أهل البلدة مدرسًا لمادة التربية الإسلامية، وخطيبًا في جامع الشيخ محمد الحامد رحمه الله، ثم الأحدب، ومدرسًا لعلوم القرآن والحديث في التكية الهدائية، ثم في جامعات المملكة العربية السعودية، له العديد من المؤلفات في التفسير والإعجاز العلمي في القرآن والفقه وغيرها وعشرات المقالات العلمية وكان له حظوة عند الشيخ .

4- الأستاذ عماد مفيد زغرات- حفظه الله- من الطلاب الذين لازموا الشيخ فأفادوا منه سلوكًا وعملًا وعلمًا، حتى وفقه الله الآن إلى إعداد رسالة الماجستير في الفقه المقارن، كما أن الشيخ كان يعتني به ويتابعه.

5- الحاج ممدوح طهماز - حفظه الله - من تجار منطقة الحاضر المشهورين، وواحد من أكثر المحبين للشيخ، المخلصين له، له وقفات مع شيخه في كثير من أزماته، وصل إلى الغاية في الإخلاص والوفاء.

6- الأستاذ عوض القناني: أستاذ في اللغة الإنجليزية، طيب القلب، نقي السريرة، من طلاب الشيخ القدماء، اشتغل بالتدريس في مدارس حماة، ثم سافر إلى الكويت، ولا يزال يعمل هناك، وفَّقه الله.

7- الأستاذ عبد الله كرزون: من الأفاضل الذين اتصلوا بالشيخ مبكرًا فاستفاد الكثير من علوم الشيخ، تميز بالحدة، والجرأة في الحق، والصلابة في الدين، مع أوصاف رضية، وشمائل أحمدية، سلَّمه الله وبارك به وبأحفاده.

8- الأستاذ عبد القادر ريس، وهو تاجر مشهور، فقيه بارع، أذكره مدرسًا للفقه في بعض الأحايين حين غياب الشيخ، أخلاقه فاضلة، وأياديه بالعطاء سابقة ناجزة، صاحب ظرف ونكتة، محبوب عند إخوانه، مواظب على مجالس الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم في مسجدَيِ التِّكية والجديد، بارك الله له في رزقه وولده.

9- الأستاذ محمود علي خليفة: أخ كريم، دمث الأخلاق، راجح العقل، تردَّد إلى دار المشايخ ولازم الشيخ، تخرج مدرسًا لمادة الرياضيات من جامعة حلب، يعمل الآن في ميدان التدريس، وفقه الله.

10- الأستاذ عبد الرحمن العشي رعاه الله : من محبي الشيخ المتفانين في خدمته، من الملازمين له، مدرس في مدارس حماة الابتدائية، وقد أحبه الشيخ كثيرًا،وفقه الله وبارك له.

ونسأل الله أن يتغمذ الشيخ برحمته وأن يسكنه فسيح جناته، وأن يحشره مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا  .

والحمد لله رب العالمين وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين .