نكاح الكفار ( المجوسية - الذمية - الدرزية - النصيرية - المشركة - الكتابية )

أ. د. عبدالله بن مبارك آل سيف

نكاح الكفار

( المجوسية - الذمية - الدرزية - النصيرية - المشركة - الكتابية )

 

نكاح المجوسية:

وأما (المجوسية) فقد ذكرنا أن الكلام فيها مبنى على أصلين (أحدهما) أن المجوس لا تحل ذبائحهم ولا تنكح نساؤهم والدليل على هذا وجوه (أحدها) أن يقال: ليسوا من أهل الكتاب ومن لم يكن من أهل الكتاب لم يحل طعامه ولا نساؤه أما المقدمة الأولى ففيها نزاع شاذ.[1]

 

نكاح الذمي الذمية بعد مسلم هل هو نكاح صحيح يثبت به النسب؟

وسئل رحمه الله عن النكاح قبل بعثة الرسل: أهو صحيح أم لا؟.

فأجاب: كانت مناكحهم في الجاهلية على أنحاء متعددة: منها نكاح الناس اليوم. وذلك النكاح في الجاهلية صحيح عند جمهور العلماء وكذلك سائر مناكح أهل الشرك التي لا تحرم في الإسلام ويلحقها أحكام النكاح الصحيح: من الإرث والإيلاء واللعان والظهار وغير ذلك. وحكي عن مالك أنه قال: نكاح أهل الشرك ليس بصحيح. ومعنى هذا عنده: أنه لو طلق الكافر ثلاثاً لم يقع به طلاق ولو طلق المسلم زوجته الذمية ثلاثاً فتزوجها ذمي ووطئها لم يحلها عنده ولو وطئ ذمي ذمية بنكاح لم يصر بذلك محصناً. وأكثر العلماء يخالفونه في هذا. وأما كونه صحيحاً في لحوق النسب وثبوت - الفراش: فلا خلاف فيه بين المسلمين؛ فليس هو بمنزلة وطء الشبهة؛ بل لو أسلم الزوجان الكافران أقرا على نكاحهما بالإجماع وإن كانا لا يقران على وطء شبهة. وقد احتج الناس بهذا الحديث على أن نكاح الجاهلية نكاح صحيح. واحتجوا بقوله: ﴿ وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ ﴾ وقوله ﴿ امْرَأَتَ فِرْعَوْنَ ﴾ وقالوا: قد سماها الله "امرأة" والأصل في الإطلاق الحقيقة. والله أعلم[2].

 

نكاح الدرزية:

وسئل رحمه الله تعالى عن "الدرزية" و"النصيرية": ما حكمهم؟.

فأجاب: هؤلاء "الدرزية" و"النصيرية" كفار باتفاق المسلمين لا يحل أكل ذبائحهم ولا نكاح نسائهم؛ بل ولا يقرون بالجزية؛ فإنهم مرتدون عن دين الإسلام ليسوا مسلمين؛ ولا يهود ولا نصارى لا يقرون بوجوب الصلوات الخمس ولا وجوب صوم رمضان ولا وجوب الحج؛ ولا تحريم ما حرم الله ورسوله من الميتة والخمر وغيرهما. وإن أظهروا الشهادتين مع هذه العقائد فهم كفار باتفاق المسلمين[3].

 

نكاح المشركة:

وأما المشركون فاتفقت الأمة على تحريم نكاح نسائهم وطعامهم[4].

 

الزواج بنساء أهل الكتاب:

"الوجه الثاني" أنه قد ثبت حل طعام أهل الكتاب بالكتاب والسنة والإجماع، والكلام في نسائهم كالكلام في ذبائحهم فإذا ثبت حل أحدهما ثبت حل الآخر؛ وحل أطعمتهم ليس له معارض أصلا. ويدل على ذلك أن حذيفة بن اليمان تزوج يهودية، ولم ينكر عليه أحد من الصحابة، فدل على أنهم كانوا مجتمعين على جواز ذلك[5].

 

ومن المعلوم أن حل ذبائحهم ونسائهم ثبت بالكتاب والسنة والإجماع فإذا كان هذا القول مستلزماً رفع ما ثبت بالكتاب والسنة والإجماع علم أنه باطل..[6].

 

وذلك لأن المنكر لهذا لا يخرج عن "قولين". إما أن يكون ممن يحرم "ذبائح أهل الكتاب" مطلقاً كما يقول ذلك من يقوله من الرافضة. وهؤلاء يحرمون نكاح نسائهم وأكل ذبائحهم. وهذا ليس من أقوال أحد من أئمة المسلمين المشهورين بالفتيا ولا من أقوال أتباعهم. وهو خطأ مخالف للكتاب والسنة والإجماع القديم[7].

 

جواز وطء الأمة الكتابية إذا أبيح الزواج بها:

وأما الأمة الكتابية فليس في وطئها مع إباحة التزوج بهن نزاع بل في التزوج بها خلاف مشهور وهذا كله مما يبين أن القول بجواز التزوج بهن مع المنع من التسري بهن لم يقله أحد ولا يقوله فقيه[8].

 

القول بجواز التزوج مع المنع من التسري:

وسئل رحمه الله تعالى عن الإماء الكتابيات: ما الدليل على وطئهن بملك اليمين من الكتاب والسنة والإجماع والاعتبار؟ وعلى تحريم الإماء المجوسيات؟ أفتونا مأجورين؟.

فأجاب: الحمد لله رب العالمين. وطء "الإماء الكتابيات" بملك اليمين أقوى من وطئهن بملك النكاح عند عوام أهل العلم من الأئمة الأربعة وغيرهم؛ ولم يذكر عن أحد من السلف تحريم ذلك كما نقل عن بعضهم المنع من نكاح الكتابيات؛ وإن كان ابن المنذر قد قال: لم يصح عن أحد من الأوائل أنه حرم نكاحهن. ولكن التحريم هو قول الشيعة؛ ولكن في كراهة نكاحهن مع عدم الحاجة نزاع، والكراهة معروفة في مذهب مالك والشافعي وأحمد وكذلك كراهة وطء الإماء؟ فيه نزاع. روي عن الحسن: أنه كرهه. والكراهة في ذلك مبنية على كراهة التزوج. وأما التحريم فلا يعرف عن أحد؛.... وأما "الأمة المجوسية" فالكلام فيها ينبني على أصلين....فقد تبين أن في وطء الأمة الوثنية نزاعا. وأما الأمة الكتابية فليس في وطئها مع إباحة التزوج بهن نزاع؛ بل في التزوج بها خلاف مشهور. وهذا كله مما يبين أن القول بجواز التزوج بهن مع المنع من التسري بهن لم يقله أحد ولا يقوله فقيه. وحينئذ فنقول: الدليل على أنه لا يحرم التسري بهن وجوه: "أحدها" أن الأصل الحل..."الثالث" أن يقال: قد أجمع العلماء على حل ذلك كما ذكرناه ولم يقل أحد من المسلمين: إنه يجوز نكاحهن ويحرم التسري بهن؛ بل قد قيل: يحرم الوطء في ملك اليمين حيث يحرم الوطء في النكاح. وقيل: يجوز التزوج بهن. فعلم أن الأمة مجمع على التسري بها ولم يكن أرجح من حل النكاح؛ ولم يكن دونه. فلو حرم التسري دون النكاح كان خلاف الإجماع " الرابع " أن يقال: إن حل نكاحهن يقتضي حل التسري بهن من طريق الأولى والأحرى. وذلك أن كل من جاز وطؤها بالنكاح جاز وطؤها بملك اليمين بلا نزاع. وأما العكس فقد تنازع فيه؛ وذلك لأن ملك اليمين أوسع؛ لا يقتصر فيه على عدد؛ والنكاح يقتصر فيه على عدد. وما حرم فيه الجمع بالنكاح قد نوزع في تحريم الجمع فيه بملك اليمين؛ وله أن يستمتع بملك اليمين مطلقا من غير اعتبار قسم ولا استئذان في عزل ونحو ذلك مما حجر عليه فيه لحق الزوجة...وفي هذا كلام ليس هذا موضعه والصحابة لما فتحوا البلاد لم يكونوا يمتنعون عن وطء النصرانيات[9].

 

وطء الكتابية بملك اليمين:

..."الثالث" أن يقال: قد أجمع العلماء على حل ذلك كما ذكرناه ولم يقل أحد من المسلمين: إنه يجوز نكاحهن ويحرم التسري بهن[10].

 

الإجماع "الرابع" أن يقال: إن حل نكاحهن يقتضي حل التسري بهن من طريق الأولى والأحرى. وذلك أن كل من جاز وطؤها بالنكاح جاز وطؤها بملك اليمين بلا نزاع. وأما العكس فقد تنازع فيه؛ وذلك لأن ملك اليمين أوسع[11].

 

وطء "الإماء الكتابيات" بملك اليمين أقوى من وطئهن بملك النكاح عند عوام أهل العلم من الأئمة الأربعة وغيرهم؛ ولم يذكر عن أحد من السلف تحريم ذلك كما نقل عن بعضهم المنع من نكاح الكتابيات[12].

 

تزويج المسلم لغير المسلمة والعكس:

وسئل قدس الله روحه عن رجل أسلم: هل يبقى له ولاية على أولاده الكتابيين؟.

فأجاب: لا ولاية له عليهم في النكاح كما لا ولاية له عليهم في الميراث فلا يزوج المسلم الكافرة سواء كانت بنته أو غيرها ولا يرث كافر مسلما ولا مسلم كافرا. وهذا مذهب الأئمة الأربعة وأصحابهم من السلف والخلف لكن المسلم إذا كان مالكا للأمة زوجها بحكم الملك، وكذلك إذا كان ولي أمر زواجها بحكم الولاية. وأما بالقرابة والعتاقة فلا يزوجها؛ إذ ليس في ذلك إلا خلاف شاذ عن بعض أصحاب مالك في النصراني يزوج ابنته كما نقل عن بعض السلف أنه يرثها وهما قولان شاذان. وقد اتفق المسلمون على أن الكافر لا يرث المسلم؛ ولا يتزوج الكافر المسلمة[13].

 

ثبوت الشرك في النصارى مع حل نسائهم:

وأما كون النصارى فيهم شرك كما ذكره الله. فهذا متفق عليه بين المسلمين كما نطق به القرآن كما أن المسلمون متفقون على أن قوله: ﴿ لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى ﴾ أن النصارى لم يدخلوا في لفظ الذين أشركوا كما لم يدخلوا في لفظ اليهود[14].

 

إباحة نساء أهل الكتاب متأخر:

"الوجه الثاني" إذا قدر أن لفظ "المشركات" و "الكوافر" يعم الكتابيات: فآية المائدة خاصة وهي متأخرة نزلت بعد سورة البقرة والممتحنة باتفاق العلماء كما في الحديث: "المائدة من آخر القرآن نزولا فأحلوا حلالها وحرموا حرامها" والخاص المتأخر يقضي على العام المتقدم باتفاق علماء المسلمين؛ لكن الجمهور يقولون: إنه مفسر له. فتبين أن صورة التخصيص لم ترد باللفظ العام. وطائفة يقولون: إن ذلك نسخ بعد أن شرع. "الوجه الثالث" إذا فرضنا النصين خاصين فأحد النصين حرم ذبائحهم ونكاحهم والآخر أحلهما. فالنص المحلل لهما هنا يجب تقديمه لوجهين. "أحدهما" أن سورة المائدة هي المتأخرة باتفاق العلماء فتكون ناسخة للنص المتقدم[15].

 

حكم مناكحة النصيريين:

ومضمون البلاغ الأكبر جحد الخالق تعالى والاستهزاء به وبمن يقر به حتى قد يكتب أحدهم اسم اللّه في أسفل رجله وفيه أيضا جحد شرائعه ودينه وما جاء به الأنبياء ودعوى أنهم كانوا من جنسهم طالبين للرئاسة فمنهم من أحسن في طلبها ومنهم من أساء في طلبها حتى قتل ويجعلون محمداً وموسى من القسم الأول ويجعلون المسيح من القسم الثاني وفيه من الاستهزاء بالصلاة والزكاة والصوم والحج ومن تحليل نكاح ذوات المحارم وسائر الفواحش: ما يطول وصفه ولهم إشارات ومخاطبات يعرف بها بعضهم بعضا وهم إذا كانوا في بلاد المسلمين التي يكثر فيها أهل الإيمان فقد يخفون على من لا يعرفهم وأما إذا كثروا فانه يعرفهم عامة الناس فضلا عن خاصتهم وقد اتفق علماء المسلمين على أن هؤلاء لا تجوز مناكحتهم ولا يجوز أن ينكح الرجل مولاته منهم ولا يتزوج منهم امرأة ولا تباح ذبائحهم [16].



[1] مجموع الفتاوى: 32/187.

[2] مجموع الفتاوى: 32/175.

[3] مجموع الفتاوى: 35/161.

[4] مجموع الفتاوى: 8/100.

[5] مجموع الفتاوى: 35/ 216، وانظر: التفسير الكبير: 4 /27،28.

[6] مجموع الفتاوى: 35/232.

[7] مجموع الفتاوى: 35/213.

[8] مجموع الفتاوى: 32/183.

[9] مجموع الفتاوى: 32/183.

[10] مجموع الفتاوى: 32/183-184.

[11] مجموع الفتاوى: 32/184.

[12] مجموع الفتاوى: 32/181.

[13] مجموع الفتاوى:32/36.

[14] التفسير الكبير: 4/132، دقائق التفسير: 2/68، الجواب الصحيح 3/116.

[15] مجموع الفتاوى: 35/215.

[16] مجموع الفتاوى: 35/154