الشيعة والنصيرية

الشيخ زيد بن عبدالعزيز الفياض

 

نشرت "مجلة آخر ساعة المصرية" الصادرة بتاريخ 18/12/1407هـ عن رئيس السافاك في عهد الشاه: "وهناك العديد من أوجه الشَّبَهِ بين الخميني وبين حسن بن الصبَّاح: فكلاهما كان يختفي خلف ستار الدين، وكلاهما يعتبر أعداءَه هم أعداء الله، ويستخدم تابعيه لتدمير أعدائِه وكلاهما لديه قدرةٌ هائلة للإقناع، ولكن بينما كان حسن يستخدم الحشيش؛ لتقوية إيمان التابعين له، فإن الخميني كان يستخدم حيلة أخرى فهو يقدم "مفاتيح الجنة"[1] وهي ميداليات بلاستيكية على شكل المفتاح، يباركها الخميني وتحمل اسم الله، وأيُّ شخصٍ يموت وهو يحمل هذا المفتاح - كما يزعم الخميني - يضمن دخول الجنة، والذين يؤمنون بالخميني يعلِّقون هذه المفاتيح على صدورهم، ويقومون بأي مهامَّ انتحارية، حتى الأطفال الذين يتمُّ إرسالهم إلى الجبهة في الحرب مع العراق لا يحملون سوى هذه المفاتيح كحماية لهم.

 

إن الآلاف من الأطفال ماتوا في الحرب ضدَّ العراق وهم يرتدون مفاتيح الخميني، وحتى يقلل الخميني من حُزْن أُسَرِهم، فهو يعلن بين الحين والآخر أنه رأى في الحلم هؤلاء الأطفال الشهداء، ويبدأ في قَصِّ حكاية كيف كانوا سعداء وهم في الجنة، وهنا ينخدع الآباء والأمهات ويعيدون التعويضات التي يحصلون عليها إلى الحكومة.

 

مثال آخر على حِيَل وخداع الخميني التي يستغلُّ فيها عواطف الشعب: فبعد معركةٍ عنيفة مات فيها آلافُ الشباب والأطفال وشُوِّه المئات، هبطت طائرة هليوكوبتر فوق ميدان المعركة، ونزل منها ممثِّلٌ مدرَّبٌ جيدًا يرتدي عباءةً بيضاء، وبمجرَّد نزوله أحاطت به أضواء وأنوار وعبر الممثِّل أرضَ المعركة وهو يقول بأداء درامي: يا أطفال، لقد أرسلنا لكم الخميني؛ ليدخلكم إلى الإسلام، أنتم خدم الله، وسوف تدخلون الجنة.

 

بهذه الطريقة وبأساليب أخرى ابتكر الخميني ترسانةً من الأسلحة الإنسانية، واستخدمها ضدَّ أيِّ إنسانٍ يجرؤ على معارضته، بل إنَّه يتخلَّص من معارضيه بإرسال رجال ملغومين إلى المساجد التي يوجد فيها المعارضون لقتلهم".

 

وفي كتاب "وجاء دور المجوس"[2]: "في هذه الفترة بالذات[3] قام ما يسمَّى بسماحة العلامة السيد حسن مهدي الشيرازي على رأس وَفْدٍ من علماء الشيعة الإيرانيين بزيارة لمناطق النُّصَيرية في جبلهم، والساحل المنكوب الذي تسلَّطوا على بعض أحيائه، ومنطقة طرابلس الشام حيث هاجر إليها بعضهم من الجبل، وخلال هذه الزيارة التقى الشيرازي بعلماء النصيرية ووجهائهم وأهل الرأي فيهم، وتبادَل معهم الخُطَب والأحاديث وتوصَّلوا إلى النتائج التالية:

1- أن العلويين[4] هم شيعةٌ ينتمون إلى أمير المؤمنين علي بن أبي طالب بالولاية، وبعضهم ينتمي إليه بالولاية والنسب كسائر الشيعة الذين يرتفع انتماؤهم العقدي إلى الإمام علي، وبعضهم يرتفع إليه انتماؤه النَّسبي أيضًا.

2- أن العلويين والشيعة كلمتان مترادفتان مثل كلمتي الإمامية والجعفرية، فكل شيعي هو علوي العقيدة، وكل علوي هو شيعي المذهب.

 

هذا هو خلاصة البيان الذي وقَّع عليه أكثرُ من سبعين شيخًا ووجيهًا ومثقَّفًا يمثِّلون مختلَف قبائلهم وتكتُّلاتهم، وصدر هذا البيان تحت عنوان: "العلويُّون شيعة أهل البيت" عن دار الصادق في بيروت.

 

وذكر حسن مهدي الشيرازي أنه كُلِّف بهذه الزيارة بِناءً على أوامر وردته من "قم"، من سماحة الإمام المجدِّد المرجع الديني السيد محمد الشيرازي.

 

أمَّا حسن الشيرازي هذا فهو إيرانيُّ الجنسية، قَدِم إلى لبنان من أجل الدَّور الذي قدم من أجله موسى الصَّدر، وهو يشغل اليوم رئيس جماعة العلماء الشيعة في لبنان، وقيل: إنه قدم من إيران إلى لبنان عن طريق الولايات المتحدة الأمريكية - على ذمة "صحيفة الأنباء الكويتية" الصادرة بتاريخ 29/9/1978م - كمنافس لموسى الصدر، وما كان لقاء الشيرازي بعلماء النصيرية لقاءً عابرًا، بل مضى الطرفان - الجعفري والنصيري - في التعاون، ففي عام 1974م استصدر موسى الصَّدر قانونًا في لبنان أصبح النصيريون الذين يقطنون في شمال لبنان بموجبه شيعة جعفريين، وأقام لهم مفتيًا خاصًّا بهم؛ الأنباء 29/9/1978م.

 

وممَّا يجدر ذكرُه أن حسن الشيرازي خصمٌ لموسى الصَّدر، ومع ذلك لم يخالف الأخير الأولَ في التعاون مع النصيريين والاندماج معهم.

 

ونصيريو اليَوم هم نصيريو الأمس، عقيدةً وعبادةً وسلوكًا ومنهجًا، فمن عقيدتهم: تناسُخ الأرواح، وقِدَم العالم، وإنكار البعث والنُّشور والجنَّة والنار، والصلوات عندهم عبارة عن خمسة أسماء (علي، والحسن، والحسين، ومحسن، وفاطمة).

 

وذكر هذه الأسماء يجزئهم عن الغسل من الجنابة والوضوء والصلاة، ويؤمِنون بأن عليًّا هو الإله، وأفتى علماء المسلمين - ومنهم أبو حامد الغزالي وابن الجوزي، وابن تيمية وابن عابدين - بكفرهم، وأنَّه لا يجوز للمسلم أن يزوِّجهم أو يتزوج منهم، ولا يحلُّ أكلُ ذبائحهم، ولا يصلَّى على موتاهم، ولا يُدفَنون في مقابر المسلمين، ولا يجوز استخدامهم في الجيش والوظائف العامة.

 

ولا نعرف عالمًا مسلمًا ثقةً عدلاً قد خالَف هذه الفتوى بهم، فكيف صاروا ما بين طرفة عين وانتباهتها من الشيعة الإمامية؟! والشيرازي أولاً والصدر ثانيًا كانا ممثِّلَين للقيادتين الدينية والسياسية عند الرافضة، واتصالهما مع النصيرية جزءٌ من خطَّة طويلة الأمد سنفصِّلها في الصفحات القادمة من هذا الكتاب.

 

وفي نهاية شهر رجب 1399 عاد محمد الشيرازي من الكويت إلى منزله في قم، فكان الخميني قائد الثورة أوَّل من زاره وهنَّأه على سلامة الوصول، وشكره على الجهد الذي بذله من أجل الثورة الإيرانية، والحقُّ يقال: إن شقة الخلاف بين الشيعة الإمامية والنصيرية ليست واسعة، وأن الثانية امتداد للأولى.



======

[1] ضرب من ضروب صكوك الغُفْران عند النصارى.

[2] صفحة 397- 400.

[3] أي: في السبعينات.

[4] أول من أطلق على النصيريين اسم العلويين هم الفرنسيون، عند احتلالهم لبلاد الشام قبل أكثر من نصف قرن.