طبائع الفكر التكفيري.

الشيخ حسن الدغيم
طبائع  الفكر التكفيري.   
 
1- تبني ما يسمى جهاد الطليعة والنخبة وهو يعتمد على العناصر المعدة عقديًّا وفكريًّا وبدنيًّا والممنهجة ضمن قالب فكري حدي ومتصلب (سلفي جهادي) وهذا النوع من الجهاد قد يصلح في الطلب أو الأحوال المستقرة للأمة لكنه فاشل في جهاد الدفع وظروف التداعي الأممي؛ لأنه يهمل دور الحاضنة الشعبية ويستعلي عليها، وترى الحاضنة هذا الجهادَ لا يمثلها ولا تبذل في سبيله. 
2- تبني أكثر الاختيارات الفقهية صلابة وقسوة والتبرم بالرخص، ومحاولة حمل الأمة عليه من خلال الإغراق الإعلامي وغمز قناة المذاهب الفكرية الأخرى لاسيما في ربط المذهب السلفي بالجهادي، رغم أن جميع مدارس أهل السنّة والجماعة مشهود بجهادها العظيم لاسيما الأشعرية، مع الإشارة إلى أن أئمة الهدى والرشاد رفضوا حمل الأمة على قول واحد كرفض مالك بن أنس لطلب الخليفة المنصور بحمل الناس على الموطأ. 
3- احتكار صحة المنهج والادعاء بحصرية اتباع السلف ووصف جميع أدبيات التنظيم بأنه منهج أهل السنّة والجماعة وأهل الحديث والأثر كتفسير آيات الحاكمية بالتفسير القطبي والحكم بالردة على كل أنواع المخالفة رغم وجود الخلاف العريض في تفسيرها. 
4- اعتماد القوة في فرض المعتقد وحل المشاكل عن طريق استخدام السلاح، والأمثلة موفورة، كضرب حركة الشباب المجاهدين للمحاكم الإسلامية في الصومال رغم الدعوات الدائمة للحوار، وكاستخدام القاعدة للقوة في نزع سلاح المرابطين في إدلب وحماة بذرائع الردة والعمالة. 
5- الباطنية التنظيمية واستخدام الأسماء الحركية والكنى الجغرافية وغموض المرجعية والقيادة والأهداف، مما سهل عمليات الاختراق الإيراني في العراق والإثيوبي في الصومال والروسي والغربي في سوريا، وأدى لانحراف منهجي هائل نتج عنه صراع  أودى بمئات الأرواح بين أبناء التنظيم نفسه دولةً ونصرةً، وربما ينتقل إلى داخل المكون نفسه بعد الانقسامات بين تيارات التكفير. 
6- استخدام الأحكام الشرعية كغطاء للمد العسكري والعشق السلطوي كأحكام التكفير والهجرة، مما أدى إلى انتشار أفكار الغلو والتطرف الخارجي، ونشأ عنه تنظيم ما بات يعرف بداعش، والذي شوه سمعة الإسلام واستباح المحرمات وسفك دماء المسلمين. 
7- تضخيمه لقضية "الخلافة هي الحل" ويشاركه في هذا حزب التحرير، وقولبة كل السياسات في تأسيس هذا الاتجاه والدفع به دون الاعتبار بالسنن الكونية ومراعاة حال الشعوب المستضعفة وضيق سبل التحرر، حتى نتج عن ذلك إعلان الخلافة المُشوَّه الذي بَغَّضَ من كان يحب ويسعى للخلافة، فصار له اليوم مشكلة مع الجهاد بل مع الدين الإسلامي نفسه، وكذلك إعلان الإمارات المهرجانية المُفرَّغة من مضمونها، كإمارة المغرب وإمارة الشام  في بعض قرى الشمال السوري. 
8- الطوامّ السياسية المدمرة كالتفجيرات في التجمعات المدنية واستهداف السياح والخبراء، وتذعير العالم على الأمة وبناء إستراتيجية مغلوطة، وهي استقدام آلة الحرب المدمرة إلى بلاد المسلمين والتوحل في تنظيرات تخطط لحروب تستمر عشرات السنين دون دراسة إمكانيات الدول القطرية أو الأمة عامة.  
9- تحقير علماء الأمة ووصفهم بعلماء الختم والسلطان، وتولي الفتوى من قبل أناس غير مختصين بالعلم الشرعي الأكاديمي، وإنما هم مجرد هواة كالدكتور فضل صاحب  كتاب العدة وكتاب الجامع وهما ذائعا الانتشار، ويحوي الأخير مسائل خطيرة بالتكفير والدكتور فضل هو طبيب جراح غير مختص بالعلوم الشرعية.  
10- اعتماد تنظيم القاعدة على مصادر معرفية مشبوهة كتداولهم كتاب إدارة التوحش، والذي يخطط لإقامة مناطق محررة ضِمن العالم الإسلامي تقوم على تهيئة الأرضية لممارسات قتالية منعدمة الجدوى قائمة على ما يقسمونه من: 
أ‌- شوكة النكاية.  
ب‌- شوكة الإنهاك.  
ت‌- التواصل بين حلقات التوحش وإدارتها.  
ث‌- التمكين لإدارة التوحيد والجهاد.  
والغاية من ذلك  استجلاب أعداء الأمة وقتالهم على أرضنا, علاوة على أن مؤلف هذا الكتاب وهو المكني بأبي بكر ناجي، واسمه -كما يؤكد سيد إمام الشريف في لقاء متلفز على قناة (أخبار الآن)- محمد خليل  الحكايمة، وهو موظف ومقيم في الإذاعة الإيرانية. 
11- الفشل الذريع في بناء التحالفات السياسية والعسكرية مع المسلمين أو مع المخالفين والدخول بصراع عالمي مع كل من يعتبرونه طاغوتًا أو عونًا أو موظفًا حكوميًّا، وبذلك حرموا الجهاد من مصادر الدعم، وكثَّروا خانة الأعداء، حتى لم يتركوا صديقًا إلا بواشق الجبال وغربان الغابات الموحشة، وفي هذا مخالفة واضحة للنهج النبوي في التحالف السياسي والتآزر والموادعات والمعاهدات، كمحالفة خزاعة على قريش. 
12- عدم استفادة العقل الجمعي للتنظيم من التجارب الفاشلة والمراحل المرة، والإصرار على الالتداغ من نفس الجُحْر في كل بلد، والعمل من نقطة الصفر، وكانت تقتصر المراجعات على بعض المُنظِّرين، وحتى عندما يقوم هؤلاء المُنظِّرون بالمراجعة الفكرية والعلمية، ويَثوبون إلى رشدهم يصفهم العقل الجمعي للتنظيم بأنهم علماء منتكسون!!!!.
13- النمط المسلكي عند منتسبي التنظيم لاسيما الشرعيين من التعالي والتبرم بالنصيحة والشعور بالفوقية والتمييز والقداسة للتنظيم وفي هذا -ولا شك- دليل على الإعداد الخاطئ والتدريب على التصلب وتبلد مشاعر الشفقة والمحبة وتضييق مساحة التفاهم والتشاركية بحجة المحافظة على الولاء وسلامة التنظيم من التفكك. 
14- الأهداف الغائبة والمجازفات المهرجانية والتحدي على العظام المحطمة كالتهديد المتواصل بتدمير الغرب وضرب مصالحه وسحق جيوشه وعدم حصرية العداء مع البعض وتحييد الآخر، وهذا -ولا شك- يقع في خدمة عدونا، حيث يشتت قوانا، مع المخالفة للمنهج النبوي الذي يعمل على اختصار جبهات الصراع، وتقليل مواقع الاقتتال، كعرض الثمار، وقبول وساطة سهيل بن عمرو، ومخاطبة قادة الروم والفرس بألقاب التعظيم، ومراعاة التوازن الدولي، واستمالة الحبشة، وعدم معاداتها. 
15- المساهمة -إما عن غُلوّ وجهل وإما بتأثير الاختراق- بتفكيك المقاومة الشعبية والثورات التحررية من الظلم ومساعدة الطاغوت في طول عمره، كقيام تنظيم دولة العراق بتحويل الثوار في العراق إلى صحوات، ومن ثم قتالهم كالعشرين والراشدين والجيش الإسلامي والمجاهدين، وكذلك في الشام وللأسف فإن النصرة دخلت على هذا الفخ بعد أن حذرت منه بداية الثورة، ولكن طبيعة التنظيم وما يحتوي من غموض وباطنية ومجهولية المنتسبين ساهم في اختراقه من قِبل التيار الداعشي، وهذا مقصد كلامنا عندما نقول ليس من أجندة التنظيمات التكفيرية إسقاط الأنظمة؛ لأن هذه المسلكيات تساعد في ترسيخ الظاغوتية، ولو كانت الأهداف النظرية تتبنى إسقاطه فالعبرة بالعواقب، فبعد ثلاثين عامًا من الجهاد ما يزال كرزاي في قلب كابول، والمالكي في قلب بغداد وبرزاني في أربيل والأسد في دمشق والحوثي في صنعاء، أما طهران ففي أرغد أيامها بموجب عقد الأمان الممنوح مقابل اللجوء السياسي لقادة التنظيم. 
16- مشابهة السياسة الإيرانية في استخدام الماكينة الإعلامية الحماسية والدينية المدغدغة للعواطف دون إنتاج حقيقي على الأرض، كالوعيد بتدمير إسرائيل وعدم تركها تعيش بأمان، رغم أن الواقع أن إيران والقاعدة ربما لم يقتلوا من الجيش الإسرائيلي منذ نشوئه وحتى اليوم أكثر من أصابع اليد الواحدة، وعلى العكس يكون من بعض شيوخ القاعدة الطعن واللمز بحركات المقاومة العسكرية الإسلامية والشعبية، هذا والمحاسن في الأتباع كثيرة والأخطاء في التنظيم كارثية، وهذا جهد المقل ومراجعة هادئة لعلها تلقى أذنًا صاغية نتجنب فيها قتل المسلم بالمسلم، وضرب السني بالسني، والذي لا ينتهي -إن فُتح بابه- عشرات السنين، ويكون أعداء الدين في أسعد أوقاتهم.